في البيت بيجاما وفي الشارع بنطلون
إزدواجية العمل القومي
د. سميرخوراني
انشغلت الأحزاب السياسية الكلدانية والآشورية والمنظمات والجمعيات ذات الصبغة القومية مؤخراً بمسودة دستور إقليم كوردستان، ولاسيما بعد ان طرح السيد آغاجان المبادرة بضرورة إحتواء الدستور المذكور على بند يضمن حق شعبنا في إقامة حكم ذاتي على مناطق تواجده في سهل نينوى، وإدراج شعبنا تحت تسمية( الكلدان السريان الآشوريين)، ومن بين هذه الإنشغالات انبثاق لجنة تحت اسم (لجنة تنسيق العمل بين أحزاب ومؤسسات شعبنا الكلداني الآشوري السرياني) ضمت كلاً من الحزب الوطني الآشوري، حزب بيت نهرين الديمقراطي، منظمة كلدو آشور للحزب الشيوعي الكوردستاني، المنبر الديمقراطي الكلداني، وجمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا. وبعد أن عقدت هذه اللجنة سلسلة من الإجتماعات خرجت بمذكرة رفعتها إلى أعضاء لجنة صياغة مسودة دستور إقليم كوردستان، وقد نشرت هذه المذكرة مؤخراً في عنكاوا كوم واطّلع عليها القراء الأعزاء. وقد عقدت هذه اللجنة بتاريخ 17/11/2006 ندوة مشتركة على قاعة أور التابعة لجمعية الثقافة الكلدانية أوضحت فيها طبيعة عملها وأهدافها.
وإذا كان كلُّ تقاربٍ بين مكونات شعبنا واحزابه ومؤسساته مباركاً ومفيداً بهذا القدر أو ذاك ويحرك شيئاً من المياه الراكدة أو يغير من حالة الكساد السياسي التي تعاني منها احزابنا، التي اعتادت على العمل على نحو فردي وأناني ودونما مبالاة لما يجري لشعبنا من أوضاع سيئة، إلاّ أن هذا العمل لا يخلو من هنات واخطاء ونواقص قد أثّرت على مصداقيته ومشروعيته وكشفت عن ضعف الأداء السياسي لأحزابنا ومؤسساتنا، وأنه مازال عليها عمل الكثير الكثير لتجاوز هذه الحالة، لكي تقفز على مصالحها الانية الضيقة وتتجه ببصرها نحو الهدف الأهم، الذي يخدم الأمة ككل.
من هنا أسجل بعض التساؤلات (آراها ويراها غيري مشروعة) على عمل هذه اللجنة، وأقدمها لها عسى ان تأخذ بها مستقبلاً.
1- إزدواجية الخطاب. تؤكد هذه الأحزاب( وتحديداً حزب بيت نهرين والحزب الوطني الآشوري) في مذكرتها إيمانها بتسمية ( الكلدان الآشوريين السريان)، ولكنها في أدبياتها وخطاباتها( في جرائدها الرسمية) لاتستعمل غير تسمية الآشوري، كما أن رؤساء هذه الأحزاب وأعضاءً من مكاتبها السياسية يصرّون على التسـمية الآشورية( على سبيل المثال لقاء إذاعة نوا، وتلفزيون زاكروس مع رئيس حزب بيت نهرين، ولقاء عنكاوا كوم مع ماري بيت شموئيل عضو المكتب السياسي للحزب الوطني الآشوري) لابل أنها تعتبر ان التسمية الآشورية هي التسمية الصحيحة وانها تحـوي( الكلدانية والسريانية). وحين سُئِلت اللجنة عن سبب هذا التناقض، أجاب أحد اعضائها( وهو ممثل حزب بيت نهرين): بأنه لذاته يؤمن بأنه آشوري وأن شعبنا هو آشوري ويستعمل هذا التعبير حينما يكتب مقالاته، وحينما يكون في البيت، ولكنه يستعمل( الكلدان الآشوريين السريان) حينما يتحدث بين عامة الناس او في المحافل الرسمية او السياسية!! أليس هذا منطقاً عجيباً؟! هل هي ملابس نغيّرها بحسب المكان، فنلبس في البيت البيجاما وفي الشارع البنطلون؟! ألسنا بهذا نعلِّم الناس الإزدواجية، ليُظهروا للناس شيئاً، في حين أنهم في داخلهم يضمرون شيئاً آخر؟!
وحين يقول ممثل الحزب الوطني الآشوري أن الآشورية تعني الكلدان والسريان، وانها التسمية الصحيحة، فلماذا يستنكر على بعض الكلدان وبعض الأحزاب الكلدانية حين تقول أن التسمية الكلدانية هي التسمية التاريخية الصحيحة لشعبنا وأنها تحوي الآشورية والسريانية؟ وإذا كان هو وحزبه لا يؤمنان أصلاً بوجود الكلدان والسريان ولا بإسميهما فلماذا يكلف نفسه ويجلس معهم ويتحاور معهم ويدخل معهم في لجان وتحالفات؟ ومن ثم يطالب الناس أن يتبنُّوا تسمية ( الكلدان الآشوريين السريان)؟ يالها من ازدواجية غريبة!
2- ليس هناك اتفاق على صيغة كتابة التسمية الجامعة المطروحة، أي ترتيب الكلمات الواردة فيها. فهناك مـن يقـول( الكلدان الآشوريين السريان)، وهـناك من يقـول ( الكلدان السريان الآشوريين) وهكذا، وهنا ستنشأ مشكلة أخرى وهي: أي الأسماء ستسبق الأخرى؟ حاملو كل تسميةٍ يتمنون أن تكون تسميتهم الأولى.
3- ما الفرق بين هذه الصيغة وصيغة التسمية ( الكلدوآشور السرياني) التي تطرحها الحركة الديمقراطية منذ ثلاث سنوات؟ وإذا كان الهدف واحداً، فلِمَ لا يتفقان؟ أم أنه عنادٌ ومراهقةٌ سياسية، وليس تفكيراً ستراتيجياً؟
4- لم تشارك في اللجنة كل أحزابنا ومنظماتنا السياسية المعروفة العاملة على الساحة السياسية العراقية ( الحركة الديمقراطية الآشورية، حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني، اتحاد بيث نهرين الوطني، حركة تجمع السريان المستقل)، وبالتالي فإن هذه اللجنة ليس لها الشرعية في اتخاذ خطوات من شأنها البت في قرارات خاصة بشعبنا كقضيتي التسمية ومشروع الحكم الذاتي. والغريب في الأمر ان هذه اللجنة لم تُشرك معها الأحزاب السياسية الكوردستانية التي تضم في صفوفها الكثير من أبناء شعبنا مثل ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني)!!
5- الأحزاب والمؤسسات المؤتلفة في اللجنة ليس لها قاعدة جماهيرية حقيقية، فمن أين تستمد شرعيتها لكي تقوم بهذا الدور؟ وهذه حقيقة وليس اتهاماً، ففي اليوم الذي عقدت فيه اللجنة ندوتها على قاعة جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا، لم يتجاوز عدد الحضور(60) شخصاً، علما أن نصف هذا العدد من الحاضرين أو أكثر كان من نصيب جمعية الثقافة الكلدانية، وخلال الندوة كان الكثير من الحاضرين يخرجون تباعاً.
6- أين كانت هذه الأحزاب والمؤسسات من هذه القضية قبل مبادرة السيد سركيس آغاجان؟ لماذا لم تُحرك ساكناً قبل ذلك؟ هل خشيت أن يفوتها القطار، أم يحاسبها التاريخ بعد أن تيقنت أن المشروع يمكن تحقيقه، فأرادت أن يكون لها نصيب فيه، وأن تنسب لنفسها هذا الإنجاز؟
7- أين كان ممثلونا في البرلمان الكوردستاني وممثلنا في لجنة صياغة الدستور بعد أن طُرِحت تسمية ( الكلدان والآشوريين)؟! لماذا وافقوا عليها حينها؟ ولماذا الآن يطالبون وبقوة بتغيير هذه التسمية بتسمية( الكلدان السريان الآشوريين)؟! أليست هذه ازدواجية ما بعدها ازدواجية؟! أليست هذه الحالة شبيهة بما حدث في الجمعية الوطنية العراقية أثناء المناقشات حول الدستور العراقي الدائم حيث كان لنا ممثلون في لجنة صياغة ذلك الدستور، وبعد أن خرجوا لنا بصيغة ( الكلدان والآشوريين)، بدأوا يتباكون عليها ويقولون ان التسمية قد فرّقت بين مكونات شعبنا!
8- مرة أخرى المثقفون مُهَمَّشون. فقد أهملت هذه اللجنة المثقفين تماماً ولم تدعو واحداً منهم إلى العمل والمناقشات والحوارات كي تكون أكثر غنى وفائدة، ولكي يكون هناك تنوع بين الأراء، ولا يقتصر الأمر على السياسي الذي يفكر بطريقة براغماتية نفعية وبمقاييس الربح والخسارة لجهة حزبه أكثر من أن يفكر في المصلحة العامة. ربما سيكون جواب اللجنة ان الباب مفتوح لكل من يقدم اقتراحات للجنة من المثقفين وغيرهم، ولكن هذا ليس بنافع، إذ كان عليها ان تدعوهم كما دعت السياسيين، ولكن يبدو أن أحزابنا لازالت تستنكف من المثقفين وتستكثر عليهم الجلوس معهم، ويبدو أن على المثقفين أن يؤسسوا أحزاباً كي يقوموا بأدوارهم تجاه شعبهم، وكي تكون كلمتهم مسموعة.
9- الأحزاب الآشورية تحديداً تحركت لهذه المبادرة، مبادرة طـرح التسميـة الجـامعة( الكلدان السريان الآشوريين)، أو التي أسميها بالوحدة الشكلية، بعد أن ثبت الأسم الكلداني في كل من الدستورين العراقي والكوردستاني وبعد أن تحرك الكلدان من كل الجهات لتصحيح الأوضاع التي كانت تفرض عليهم أن ينسوا اسمهم ويتقبلوا الأسم الآشوري بديلاً. وهناك من الكلدان من يقول إنه لولا هذا الشىء ما كانت الأحزاب الآشورية لتجلس مع الكلدان، ولا مدت يداً للوحدة، لأن هذه الأحزاب والتيارات الآشورية منقسمة وغير متفقة فيما بينها أصلاً. فكيف تتفق مع الكلدان؟!
10- ليس في اللجنة خبراء جغرافيين وتاريخيين وقانونيين، كي تكون المطاليب مبنية على أسس علمية ومنطقية وقانونية صحيحة. والغريب أن الدستور ( نص قانوني) أولاً وأخيراً وليس نصاً سياسياً. ومع ذلك لم يُناقش من الناحية القانونية ولم تحوِ اللجنة قانونيا واحداً.
11- لم يتم استفتاء أهل سهل نينوى( والموضوع يخصهم هم بالدرجة الأولى) بمشروع الحكم الذاتي. هل يريدونه أم لا؟ وبأية صيغة؟
12- السريان( مع محبتنا الشديدة لهم واعتزازنا بهم) لغة وثقافة وليست قومية( اطلع على رأي المؤرخ الكبير أدي شير في كتابه: كلدو آثور) ، ولم يذكر التاريخ يوما( على حد علمي المتواضع بالتاريخ) وجود قومية باسم (السريان)، فلماذا القفز على حقائق التاريخ؟ وتأسيس أشياء على أرضية غير صحيـحة من العلم والتاريخ؟ وإذا مـا ثـبتت تسـمية ( الكلدان السريان الآشوريين) فإنها ستتحول إلى وثيقة تاريخية يعتمد عليها السريان في المستقبل ويقولوا: إنَّ لنا قومية مستقلة لأن اسمنا مذكور في الدستور العراقي الدائم سنة 2005 ! وهذا ما سيزيد الطين بلةً ويعقد المشكلة مستقبلاً، وبدلاً من أن نتجه إلى الوحدة سنتجه إلى الإنقسام. هذا لا يعني مطلقاً انني لستُ مع ذكر السريان إلى جنب الكلدان والآشوريين، ولكني أُذكِّر بما هو علمي وصحيح وما هو غير ذلك، والقاعدة الفقهية والقانونية تقول: (مابني على باطل فهو باطل)ن وأتمنى ان أكون مخطئاً في رأيي فليأتِ احدهم ويُثبت لي ان السريان قومية، وحينها سأقتنع وسأتنازل عن رأيي الخاطىء.
13- أعضاء اللجنة المذكورة اتفقوا على كلِّ شىء فيما بينهم، وأصدروا مذكرة رفعوها إلى البرلمان الكوردستاني، ثم بعد ذلك شرعوا بعقد الندوات بين الجماهير واخذ اقتراحاتهم!! ما الفائدة؟ ألم يكن من المفروض أن يتناقشوا الأمر مع الجماهير او مع مؤسساتها ويستمعوا إلى آراء الناس ومقترحاتهم أولاً ومن ثم يرفعوا المذكرة؟! أم أن أحزابنا لا زالت تتعالى على الناس وتتصور انها هي صاحبة الحق في الحل والربط. وهذا التعالي على الناس هو الذي يجعل هذه الأحزاب وغيرها من الأحزاب العراقية لا تمتلك رصيداً جماهيرياً. وبالتالي على هذه الأحزاب ان تنزل إلى الشارع وإلى الناس، فقد انتهى زمن الأحزاب الكلاسيكية التي تنظر إلى الناس من الأعلى وتقودهم، واصبحت الجماهير واعية بكل شىء.
14- أهم خطوات الإتحاد هو الحوار، وقبل الحوار وأهم منه( والذي يتجاهله الكثيرون ولا يعيرونه أهميةً) هو الإعتراف بالآخر. وهذا مالم يحدث بين أعضاء هذه اللجنة، وهم يعترفون بأنفسهم بذلك، حين يقولون إن الآشورية هي التسمية الصحيحة لشعبنا، وإن الآشورية تعني الكلدان والسريان. وأتصور ان هذه عقدة مستعصية وبحاجة إلى وقت وعملية تثقيف وتوعية بين الأحزاب الآشورية وتنظيماتها وحتى بين كثير من المثقفين الآشوريين الذي ينشرون مقالاتهم على سبيل المثال في عنكاوا كوم( القس عمانوئيل خوشابا أنموذجاً)، فقد تغلغل في شرايينها وترسَّخ في ذهنيتها ولاشعورها أن الآشورية قومية والكلدان طائفة، لذا فهذه الذهنية قائمة على الإقصاء والتغييب وعدم الإعتراف بالآخر الكلداني، وهذه ازدواجية اخرى تضاف إلى الإزدواجيات الكثيرة التي يعاني منها فكرنا السياسي وطرحنا القومي، ولا أدري كيف يجلس شخص مع آخر في الوقت الذي لا يعترف به وبوجوده؟!
في النهاية أود أن أقول إننا دائماً مع الوحدة، ولكن أية وحدة؟ هل وحدة مؤقتة قائمة على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة؟ أم وحدة نابعة من صميم القلب، وحدة تدفع بشعبنا إلى أمام؟ وحدة قائمة على أسس علمية وتاريخية صحيحة، كي لا نشعر بعدها بالندم على ما اقترفنا بالأخطاء، ولكن ما نراه في الحقيقة وحدة شكلية ظاهرية، استطيع ان أسميها باستعارة مصطلحات الكومبيوتر بوحدة ( cut & paste ) أي القص واللصق، فبالله عليكم هل وجدتم شعباً يمتلك اسماً اشبه بالقطار؟! أم أن عقيدة التثليث المسيحية قد دخلت الميدان السياسي والقومي. واعتقد أنه لو كانت هذه الأحزاب قد أخذت بهذه الآراء وغيرها من الآراء المفيدة التي يطرحها الناس والمثقفين لما وقعوا في هذه الأخطاء ولكان عملهم فيه فائدة اكثر لشعبنا ويمتلك شرعية ومصداقية أكثر. فمن منا لايتمنى أن تتحد مكونات شعبنا واحزابه وتتوحد اتجاهاته وافكاره في خطاب سياسي وقومي، وبالتالي تكتسب مطاليبنا التي نتقدم بها إلى الآخرين قوة الشرعية وزخم الجماهير.
والله من وراء القصد.