مَنْ قتل المطران؟ هل من حقيقة؟
بقلم: وســام كاكو
مراقبة الوضع عن كثب داخل العراق وخارجه فيما يختص بموضوع إستشهاد المطران بولص فرج رحو وكذلك قراءة كل ما كُتب ونُشر أو ما يُنشر أصبح الشغل الشاغل للكثيرين من أبناء شعبنا المُنتشرين في أرجاء العالم، وأنا بحكم علاقتي الطيبة مع المطران الشهيد وبعض أقاربه تابعتُ، وما زلت، الموضوع منذ دقائقه الأولى وبشكل قريب جداً على أمل أن أسمع شيئاً يؤدي الى كشف الحقيقة.
المعلومات الواردة من الداخل وكذلك من بعض الأشخاص في دول الجوار تُظهر غموضاً وإرتباكاً في التفاصيل، وقبل الدخول في بعض ما ورد من هنا وهناك لا بد من الإتفاق على بعض الأساسيات وهي:
1- إن عملية خطف المطران لم تكن صعبة أبداً فهو، رحمه الله، كان يتنقل بشبه حرية مُطلقة في الموصل وبين الموصل والقرى المُحيطة بها وهذا ينطبق بشكل كبير على الكثيرين من رجال ديننا الأجلاء.
2- إن المطران رحو كان شخصية عامة يحترمها وجهاء الموصل وشخصياته الدينية والدنيوية وكذلك التنظيمات المُتواجدة في الموصل على إختلاف توجهاتها وأهدافها.
3- إنه ما من هدف يُمكن أن يُثير الإعلام العالمي والإقليمي والمحلي وكذلك جهات مُختلفة في العالم مثل المطران الشهيد رحو بسبب ما كان يتمتع به من شعبية ومعرفة بالجهات المختلفة في الموصل، وحتى بين تلك المُتناقضة فيما بينها.
4- ما كان يُمكن للكنيسة الكاثوليكية في العراق والڤاتيكان وفرنسا ودول أخرى أن تسكت على عملية خطف وقتل رجل دين على مستوى عالي مثل الشهيد رحو، فضلاً عن إن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري بكافة مُكوناته ومُستوياته وتنظيماته الفاعلة وشخصياته عمل بكل جد ودون كلل في تسليط الضوء على هذا الموضوع وإثارته داخل العراق وخارجه، وهذه نقطة تُسجل لصالح شعبنا في الظروف الحرجة فقد تبارى أبناء شعبنا في التركيز على هذا الموضوع في كل مراحله منذ اليوم الأول للإختطاف مروراً بفترة المُفاوضات وإنتهاءاً (إن صحت الكلمة هنا لأن العمل لم ينته بعد) بالإستشهاد والتشييع. الجهة التي إرتكبت هذا العمل كانت تدرك حجم التعامل الحضاري والعاطفي والإعلامي لشعبنا في هذا الموضوع وربما عوّلت الجهة التي نفذت العملية على الإستفادة القصوى من حجم هذه الحملة الإعلامية التي بدأت وما زالت مستمرة في زخمها.
5- إنه لحد الآن لم تُعلن أية جهة مسؤوليتها عن تنفيذ عملية الإختطاف والقتل، وحتى من باب النكاية ببعضها لم تتهم أية جهة في الموصل أو غيرها جهة أخرى بالقيام بهذه العملية.
6- إنه لم تستطع أية شخصية أو جهة تنظيمية أو حكومية أن تتدخل في إطلاق سراح المطران الشهيد بشكل فاعل ومؤثر، حتى المُحاولات الخاصة بالمفاوضات كانت بعيدة عن المُبادرات بل إقتصرت على الإستجابات، وهذا ما أثار تسأؤلات غريبة عن الجهة التي أسكتت الجميع ومنعتهم من القيام بشيء.
المعلومات الواردة من الداخل والخارج يسودها تشوش واضح وإرتباك في الإستنتاجات والتحليلات، فمرة يُقال إنه تم إلقاء القبض على شخص واحد ومرة أخرى على أربعة أشخاص وإن المطران تعرض للخنق أو للشنق وغيرها وهذا الإرتباك في التصريحات إنعكس على كتابات كُتابنا وتحليلاتهم.
ما سمعناه مؤخرا من بعض المصادر هو إن الشخص الذي ألقي القبض عليه إسمه (ع. ي) وهو تركماني من تلعفر، وأرجو أن لا تحمل هذه المعلومة أو كتابتها إساءة للأخوة التركمان لأنها مجرد معلومة وردتنا ونحن ننقلها كما هي ولا نقصد من ورائها توجيه الإساءة لأحد أبداً. هذا الشخص الذي ألقي القبض عليه لم يُشارك بشكل فعلي في تنفيذ العملية بل كان يراقب من بعيد، وتذهب الأخبار لتؤكد بأن هذا الشخص إعترف على شخصين آخرين أحدهما من تلعفر أيضاً وإسمه (س. ي) والآخر ضابط مُخابرات من إحدى دول الجوار لا يُعرف شيء عنه غير كُنيته التي رجح البعض أن تكون (أبو أنس) وهذه كُنية تبدو شائعة. هذان الشخصان عملا مع بعضهما في تنفيذ العملية، ضابط المخابرات زود المال اللازم لشراء السلاح والآخر نفذ العملية مع مجموعته.
تؤكد التصريحات بأن المطران بعد خطفه وُضع في صندوق السيارة ولم يتم التأكد مما إذا كان المطران لحظة وضعة في الصندوق حياً أم ميتاً، وإن سبع سيارات شاركت في تنفيذ العملية، وهذه الأخبار تناقلتها وسائل الإعلام المنشورة والمرئية والمسموعة.
هذه الأخبار تُعقد المسألة بشكل أكبر فكيف يُمكن لعملية بهذا الحجم تشترك فيها سبع سيارات ويتخللها إطلاق رصاص في مدينة مثل الموصل ولم يتم فيها إلقاء القبض غير على شخص واحد فقط وتوجد شائعات تقول إن أمر إلقاء القبض على هذا المُتهم جاء من بغداد وليس من القوات المسؤولة في الموصل وإن الشخصين الآخرين هربا من العراق.
يبقى السؤال الذي أثرناه في الفقرة ة 6 وارداً وهو ما هي هذه القوة التي أخرست الجميع في المفاوضات وجعلتهم ينسحبون من العمل الجاد لإطلاق سراح المطران الشهيد؟ ما هذه القوة الطاغية التي أجبرت كل الجهات على عدم التدخل في الوساطة لإطلاق سراح المطران الشهيد؟ هيئة علماء المسلمين ودولة العراق الإسلامية والبعثيين القدماء والمقاومة في مُجملها سكتت ولم تستطع أن تفعل شيئاً وقد شاعت أقاويل تؤكد إن البعثيين القدماء قالوا صراحة أن المطران موجود لدى مجموعة لا يستطيعون التدخل بعملهم!؟
تُرشح بعض التخمينات والمناقشات إن قوة بهذا الحجم والرهبة على الآخرين وعملية الخطف والقتل في مُجملها لا بد أن يكون لها علاقة بالإنتخابات الأمريكية، وقد أظهرت الضجة الإعلامية العالمية التي رافقت العملية للمُطلعين بأنه يُمكن إستغلالها بشكلين فأما أن يستغلها الحزب الجمهوري الحاكم ليؤكد من خلالها ضرورة بقاء القوات العسكرية في العراق بسبب المشاكل فيه وبهذا يُعزز من قوة وجوده في العراق، أو أن يستغلها الديمقراطيون لإبراز فشل الجمهوريين في العراق وبالتالي تستعملها كإدانة لهذا الحزب ومُرشحه في الإنتخابات القادمة، وتقول بعض المناقشات إن عمليات الخطف والقتل قد تزداد وتيرتهما إذا كان هذا الإحتمال الأخير واقعياً.
إحتمالات كثيرة وتفاصيل أكثر، بعضها مُشوّه الى درجة يصعب معها الوصول الى قرار أو حتى الى ربط الخيوط ببعضها ولكن الشيء المؤكد وسط هذه الضبابية هو إن بعض أقارب الشهيد في الداخل تلقوا تهديدات مُباشرة بضرورة السكوت أو التعرض للإسكات وهم في وضع لا يُحسد عليه، أما أقارب الشهيد في الخارج ففي نيتهم الكتابة الى بعض المسؤولين في دول العالم المُختلفة وكذلك الى الأمم المُتحدة للتحقيق بشكل أفضل في الموضوع أي إن العملية سائرة الى تدويل التحقيق بعد أن وجد الأقارب بأن إمكانية أن يصل المسؤولون في الداخل الى الحقيقة تبدو ضعيفة جداً لأن التحقيقات ستتسع الى درجة لا يُمكن معها التأكد من أي شيء وهذا إحتمال وارد.
تؤكد الكتابات المُختلفة على إن الحكومة العراقية والجهات الأمنية المسؤولة في العراق مدعوة الى بذل جهود أكبر وهي معنية بالتحقيق في ملابسات القضية ليس بغرض التعويض لما جرى للمطران الشهيد وأقاربه فلا شيء يمكنه أن يُعوض ذلك وليس لتحقيق الحق بشكله المثالي بل لكي لا تستمر هذه المأساة أو العمليات أكثر ولكي لا تطال أحداً بعد الآن رغم إن هذا يبدو صعباً في ظل الظروف الحالية.