الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية للكلدان الأشوريين السريان
www.ankawa.comزهير كاظم عبود
أين الخلل في مطالبة المواطن الكلداني الأشوري السرياني بإدارة منطقته أدارة ذاتية ؟ وأين الخلل في تصحيح بعض نصوص الدستور العراقي التي أهملت دون قصد اللغة الكلدانية والآرامية التي تتحدث بها تلك المكونات ، بعد أن منحت الحق في تعليم الأبناء باللغة العربية والكردية والتركمانية والسريانية والأرمنية ؟
أين الخلل في المطالبة تفعيل نصوص الدستور في المادة 125 التي ضمنت الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للكلدان والآشوريين وتناست دون قصد السريان ؟ علما بأن الفصل الرابع من الدستور جاء تحت عنوان الإدارات المحلية .
وإذا كانت المطالبة بإدارة المناطق التي تسكنها الغالبية من هذه الشريحة ذاتيا ، من قبل أبنائها بعد أن لمست على مدى زمن طويل ذلك التهميش والإهمال وألاقصاء وعدم الأنصاف من قبل السلطات البائدة التي تعاقبت .
وإذا كنا أكثر صراحة فأن الدستور الذي نص في مادته 14 بأن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز ، يؤكد تلك المساواة التي لم يتلمسها فعلا المواطن الكلداني الأشوري السرياني على الأرض العراقية وعلى الواقع العراقي الملموس .
الجميع متفق على المحافظة على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي ، والجميع يسعى لبناء الدولة الاتحادية مقترنة بالنظام الديمقراطي الذي نريد أن نؤسس له للأجيال القادمة ، فأين الخوف من مشروع الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية الذي ينادي به أهل هذه القوميات العراقية ؟
وإذا كنا نحترم تأريخ شعبنا علينا الإقرار بالدور الوطني والفاعل لأبناء هذه القوميات في ترسيخ العمل الوطني وبناء العراق الحديث ، وعلينا أن لاننسى تلك القافلة من الشهداء والرموز السياسية الوطنية الي قادت الحركة الوطنية من أبناؤهم ، ولانعتقد أن أي منصف يغمط حقهم التاريخي ووجودهم ضمن تلك البلدات التي تعكس بساطتهم ومحبتهم للعراق وتطلعهم نحو المستقبل المنشود .
وإذا كان الصوت الكلداني الأشوري السرياني مقموع سابقا ، بفعل الحركات العسكرية والمجازر التي ارتكبت بحقهم بسبب مطالبتهم بحقوقهم الإنسانية ، فقد انتهى عهد بكر صدقي ومجزرة سميل 1933 ، وانتهى زمن التنكر للوعود التي أقرت لهم في مؤتمر العمادية المنعقد عام 1932 ، حيث تمت المطالبة حينها الإقرار بالوجود القومي للشعب الكلداني السرياني الآشوري ومنحه قانون الحكم الذاتي في ظل النظام الملكي .
وإذا كان النظام البائد قد أقر لهم في العام 1972 بالحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية ، فهل إن تكرار مثل تلك الحقوق لهم اليوم يعد مغنما ومكسبا وطنيا ، إزاء وقفاتهم الوطنية وجهادهم ونضالهم ؟ سواء مع الأحزاب الكردية التي قارعت النظام الدكتاتوري بالسلاح ، أو من خلال الانخراط في صفوف الأنصار الأبطال الذين قاتلوا تحت راية الحزب الشيوعي العراقي .
واليوم إذ تتعرض هذه الشريحة العراقية الى ضغوط وإرهاب ، فتمنع من العمل في بقية أنحاء العراق ، وتتعرض الى الموت والتشريد والتهجير من قبل الإرهابيين والمتطرفين بسبب تمسكهم بديانتهم ، واليوم يتعرض رجال دينهم الى القتل دون منطق أو سبب ، وتتعرض مراكزهم الدينية وكنائسهم الى الضرب بالقنابل والتخريب والتهديم فهل يكون تشردهم في البلدان المجاورة ولجوء بعض منهم في دول لأرض هو الحل المنطقي والمناسب لذلك التاريخ ولتلك الوقفة الوطنية ؟ وهل نبقى نستنكر ونشجب فقط التصرفات التي تصدر من ميلشيات مسلحة وأفراد معروفين بتطرفهم الطائفي والديني في العراق إزاء تلك الناس المسالمة والمتمسكة بغصن الزيتون دائما ؟
نجد إن الدعوة التي وجهها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي الى الكلدان السريان الأشوريين والى أبناء الأيزيدية والمندائية للانخراط في صفوف الشرطة والقوات المسلحة لحماية مناطقهم من الإرهاب تصب في نفس الهدف ، وإذ يسعى الرجل الى قطع دابر الإرهاب من المنطقة بجدية وشجاعة ، على هذه الشريحة أن تستثمر هذا النداء المفتوح وتسعى لمساندة المالكي في دعوته التي تصب في مسعى تحقيق وتأمين مصالح تلك القومية وفقا لما حدده الدستور من شراكة ومساواة في الحقوق .
وإذ تكمن المشكلة في توزع القرى التي تسكنها الغالبية منهم ضمن إقليم كردستان أو خارجه ، في ما يسمى سهل نينوى ، (السهل الممتد شمالي محافظة الموصل (نينوى)، باتجاه محافظة دهوك في إقليم كردستان، ويشمل قضائي "تلكيف" و "القوش وقضاء الحمدانية أو بخديدا"، وقرى اخرى تقع ضمن دهوك وأخرى في أربيل وقسم في الموصل ، وتتألف تركيبته السكانية من غالبية (آشورية ، كلدانية ، سريانية ) ، فالأمر متروك لخيار أبناء شعبنا من هذه القومية في خيار الالتحاق ضمن الإقليم أو البقاء خارجه . والقيادة الكردستانية في الإقليم مدعوة لتمحيص الطلب وتفهم الواقع العملي والجغرافي لتنلك الشريحة التي قدمت معهم سفرا طويلا من النضال والشهداء في سبيل تحقيق الفيدرالية لكردستان العراق ، ولانعتقد أن قيادة إقليم كردستان يمكن ان تنسى تلك التضحيات الجسام التي قدمها أبناء هذه القومية من اجل الديمقراطية للعراق والفيدرالية التي تتمتع بها كردستان اليوم ، والقيادة الكردستانية مدعوة لتنظيم مؤتمر عام تحضره جميع الأطراف المهتمة بحقوق الكلدان السريان الآشوريين للخروج بنتائج إيجابية وواقعية تلبي طموحهم ، وعلى شخصياتهم وأحزابهم بذل المزيد من التثقيف حول مسألة الإلحاق الأكثر ضمانا لهم ولحقوقهم ولمستقبلهم وفقا للواقع والضمير ، بعيدا عن الغايات المبطنة والحزبية المتطرفة ، علما بأن هذا الانضمام لايشكل إلحاقا أبديا ولا ابتلاعا كما يسميه بعض من يعتقد إن المسألة ستنتهي ببلع هذه الشريحة العراقية الأصيلة .
وحيث أن التوزع الواقعي للمدن التي تسكنها هذه الشريحة لايمكنها من تشكيل إقليم مستقل لأنها لاتشكل محافظة مستقلة لينطبق عليها نص المادة 119 و122 من الدستور ، ما يستوجب التفكير مليا في واقعية تحقيق الإدارة المحلية ضمن المناطق التي تسكنها الأكثرية منهم ، وتفعيل مفهوم الحقوق الإدارية التي ضمتها المادة 125 من الدستور ، بقانون يكفل ضمان تلك الحقوق المشروعة ، وتعزز من قيمة النص ، تحت ظل النظام الفيدرالي الديمقراطي .
وإذ تتوزع الأفكار بالرغم من توحدها في تحقيق مشروع تأمين الحقوق التي كفلها الدستور ، باعتبارهم عراقيين يتساوون في الحقوق والواجبات مع كل عراقي ، فأن هذا التوزع في الرؤى والاختلاف في المواقف جميعها تصب في خدمة الهدف وفقا لمفاهيم تلك الجهات التي تسعى الى خدمة العراق وقضية الكلدان السريان الآشوريين . .
فمنهم من يرى أن دستور الإقليم سيكون ملائما لطموحاتهم وخصوصيتهم الدينية في العراق باعتباره يراعي كافة الحقوق بالإضافة الى انه علماني يضمن حقوق جميع الديانات فعلا .
في حين يجد بعض منهم الالتحاق بمدينة الموصل باعتبارها تشكل إقليم مستقل مستقبلا أو أن تكون ضمن إقليم ، ويرى بعض آخر بقائهم وحدهم ضمن إقليم أو منطقة تدعى سهل نينوى ، ويجد بعض أن الاتفاق بين الأحزاب والشخصيات غير عملي وهذا ألانتظار لايحقق الهدف ، ويرى عدم الانتظار لإيجاد حل توفيقي بين الأحزاب والكنائس المختلفة فيما بينهم حول هذا الموضوع .
وفي كل الأحوال فأن الأمر لايخلو من مصاعب وعقبات ، إلا إن تذليلها ممكن وغير مستحيل أمام حلول عقلانية وهادئة وتتطلب دراسات سياسية وجغرافية وقانونية ، بغية تحديد التوصيف الدستوري للطلب أولا ، ومدى مطابقته لأحكام الدستور العراقي وبنوده ثانيا ، وعدم تجاوزه على صلاحيات ودستور الإقليم ثالثا ، ويبني أسسه وفقا لحقائق موضوعية ووفق الظروف الذاتية في العراق رابعا ، ويعبر عن وجهة نظر الغالبية منهم أخيرا .
أننا نتحدث عن حقوق الكلدان السريان الأشوريين في العراق بالرغم من انتشارهم وتواجد أعداد ليست بالقليلة منهم في البلدان المجاورة ، وإذا كانت الفيدرالية هي النظام الدستوري الذي التزم به الدستور العراقي ، وسيبني جوانب الحياة العراقية من خلال علاقات الأقاليم والحقوق والواجبات واختصاصات السلطة الاتحادية وسلطات الأقاليم ، فأن هناك محافظات قد تبقى دون التحاق بأقاليم، حيث حدد الدستور في المادة 119 انه يحق لكل محافظة و أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ، وهذا الأمر لايكون عاطفيا أو اعتباطا ، إنما وفقا للظروف الموضوعية والإمكانيات التي تتطلبها في تكوين الإقليم ، كما أن الدستور أضاف في المادة 122/ فقرة ثانيا أنه تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة ، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وينظم ذلك بقانون .
وتأسيسا على تلك الحقوق التي رتبها الدستور يكون بإمكان الكلدان السريان الآشوريين أن يطالبوا ببناء أدارتهم الذاتية وفقا لقانون يحدد الصلاحيات الإدارية والمالية ، بعد أن منحهم الدستور في المادة 125 الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية ونظمها أيضا بقانون .
ثمة إشكالية أخرى تعيق مطالبتهم تتحدد في اختلاف أحزابهم وشخصياتهم على العديد من وجهات النظر والمواقف ، ما يتطلب أن تكون وقفة شجاعة للاتفاق على القواسم المشتركة التي تضمن حقوق الناس ، وأن لايكون الاختلاف في الرأي سببا في تأجيل تلك المطالبة لسنوات قادمة ، وربما تضيع الفرصة ، وأن لايكون الاختلاف بينهم سببا في تجميد تلك المطالب المشروعة .
وتقع على عاتق الهيئة المكلفة بوضع مشروع تعديل مواد الدستور العراقي ، مهمة التدقيق في النصوص التي غفلت أسمهم أو لغتهم وتجاوز تلك النواقص في المشروع القادم ، بالإضافة الى وضع مطالبهم المشروعة بعين الاعتبار أمام مجلس النواب العراقي ، على أن يكون أمام أنظار الجميع أن الدستور لجميع العراقيين دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب و المعتقد ، وان يكون أمامنا حقيقة أن هذه الشريحة هم أهل العراق الأوائل ، من الذين بنوا حجارته وشيدوا معالم حضارته وعززوا وحدته دوما ، وفي مسألة الحقوق لاتوجد أقليات وأكثرية ولا قوميات صغيرة أو كبيرة ، لأن الحق لايمكن أن يتجزأ أو يتقطع ، وإذ يسعى الجميع لتأسيس دولة دستورية تعتمد الفيدرالية كنظام دستوري والديمقراطية كمنهج ، علينا أن نضمن تلك الحقوق بشكل عملي ، وبما يوازي تلك الدول الفقيرة التي سبقتنا في تحقيق تلك الضمانات ، وعلينا قبل أن تعود العاطفة تتحكم في مواقفنا أن ندرك أن لاحلول للمشاكل العراقية التي فشلت كل الحكومات البائدة التي تعاقبت على حكم العراق ، والتي أعتمدت المركزية والتحكم الفردي في السلطة ، إلا بالإقرار بتلك الحقوق عمليا قبل أن تكون الفاظا تحتويها نصوص الدستور تستعملها وتتبجح بها إعلاميا السلطات التي ماوفرت فرصة لتطوير العراق ولا لتقدم الإنسان وحقوقه مطلقا .
وإذ يتعدى وضع تلك القومية اليوم حدود تلك الحقوق التي حددها الدستور ، فهم ليسوا بحاجة ماسة الى الحقوق الثقافية بقدر حاجتهم الملحة اليوم لتأمين أوضاعهم الأمنية بعد أن تم انحسارهم ضمن المناطق العراقية في بغداد والمدن الأخرى ، وضمان وجودهم وحماية رجال دينهم ومؤسساتهم الدينية .