سيستمر العراق في تدهوره لافتقاره القادة الكفوئين المخلصين والصادقين
ادورد ميرزا
اولا ...عدد من نواب القائمة العراقية وجبهة التوافق وبعض آخر من الرافضين للطائفية والاحتلال وكما شاهدناهم وسمعناهم ..كانوا من ابرز المنتقدين لسياسة الحكومة ومن الساعين لخروج قوات الاحتلال الأمريكي والرافضين للتدخل الايراني , وقد قرأت الكثير من المقالات التي تكيل على سبيل المثال للشابندر المديح والثناء لمواقفه الوطنية سواء في مجلس النواب او على شاشات الفضائيات ...ولكني اصبت بالاندهاش حين شاهدت العديد من هؤلاء النواب ومنهم الشابندر وقد تغيرت مواقفهم , ولا ادري ما هو السبب وما الذي تغير !
قصدت السيد الشابندر كمثال فقط لأني رأيت في هذا العراقي قمة الشهامة والوطنية , ولم اشعر يوما بان هذا الرجل سيخذل العراقيين , ان العديد من اعضاء البرلمان خاصة في الأونة الأخيرة تغيرت مواقفهم رأسا على عقب , فالصدق والثبات يبدو انه قد اهتز في وجدانهم , وكمثال كما قلت فقد استمعت الى السيد الشابندر وعلى فضائية البغدادية يكيل المديح والمنقطع النظير للتطور الديمقراطي الذي حصل في مجلس النواب اثناء مناقشات القراءة الأولى لبنود الاتفاقية الأمنية مع اميركا , ولا ادري كيف استنتج ذلك , ومالذي اكتشفه في ديمقراطية هذه الجلسة , هل التراكض والضرب والمشادات الكلامية والتطاول والضرب بالاقدام على الارض وتدخل حمايات الوزراء والى آخره من الفوضى هل هذه هي الديمقراطية .
في السابق كنا نستمع الى تعليقات الشابندر والكثيرين من زملاءه حيث كانت جلها يصب في انتقاد البرلمان والحكومة لطائفيتها وسوء ادارتها لشؤون العراقيين , مما كان يُشعر العراقيين المساكين بان العراق ما زال فيه الخيرون امثال الشابندر , انه وطني ولا يبحث عن مكاسب شخصية انه عراقي شهم وغير طائفي او مذهبي , وان همه الوحيد هو المصالحة الوطنية وارغام المحتل لمغادرة الوطن واعادة شعب العراق الى وضعه الطبيعي بعيدا عن التمييز الطائفي او الأثني او الحزبي , ولا نشكك ابدا في وطنية السيد الشابندر ولكننا نتسائل فقط لماذا هذا التغيير المفاجئ في الموقف !
كلنا يعلم بان اميركا هددت حكومة وبرلمان العراق بانه اذا لم يوافقا على الاتفاقية الأمنية معها , فان العراق سيلقى وضعا مأساويا وشاذا وسوف لن تتدخل اميركا في حمايته , عند هذا التهديد سارع العديد من اعضاء الحكومة والبرلمان الى تغيير خطابهم تغييرا جذريا , وكانهم قد حُقنوا بدواء مسحور غيّر كل ما موجود في ذاكرتهم !
ولا حاجة ان اشير الى الامتيازات التي منحت لاعضاء مجلس النواب العراقي من زيادة في الرواتب والمخصصات ومنحهم المزيد من قطع الأراضي والسيارات وغيرها قبيل دعوتهم للاجتماع وعرض تمثيلية التصويت على قبولها ...واود ان اوضح للسيد الشابندر بان الديمقراطية التي امتدحها اثناء مناقشة المجلس لبنود الاتفاقية ..لم تكن ديمقراطية لقد كانت جلسة هرج ومرج وكأن المجتمعين جالسين في كهوة عزاوي كما يشير الى ذلك دائما السيد محمود المشهداني وآخرها كان انتقاده لطريقة جلوس السيد بهاء الأعرجي اثناء مناقشتهم بنود الاتفاقية.., ان الديمقراطية الحقيقية هي سلوكيات وتعاملات شفافة بين اعضاء المجلس والحكومة من جهة وبين الشعب من جهة اخرى , وان غالبية العراقيون يعتقدون بان علاقة المجلس والحكومة مع الشعب علاقة غير ودية بل وتمييزية , وما يحدث لشعب العراق خير شاهد !
في زمن نظام صدام , ايضا كان هناك مجلس وطني وكانت هناك حكومة , ولكن لم يكن همهم الشعب ولم تكن هناك ديمقراطية بمعناها الحقيقي , انما كان همهم المزيد من الدكتاتورية والمزيد من امتيازات ومكافئات واراضي واوسمة وغيرها من المغريات لشراء ذمم البعض من الوطنيين ..ولكي انصف امرا واحدا واسجله لصالح برلمان صدام حسين فاقول , ان الفرق بين ذاك وهذا هو ارتباط غالبية هذا بايران وبمصالحها الستراتيجية اما ذاك فكان ارتباطه بصدام فقط .
ثانيا ....ستة سنوات تقريبا فوضى ودمار وقتل يعصف بالعراق, فاميركا الغاضبة على كل شئ , انهالت على العراق تدميرا وتقسيما وتشريدا لكل جماد وحي , قسم من العراقيين مرعوب خائف يتنقل بين المدن العراقية , وقسم آخر هرب تائها في دول الغرب , آخر من يعيش هذه الفوضى هي حكومة السيد المالكي , فالوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي ما زال منحطا وبائسا , وان خطاب الحكومة السياسي والإعلامي لا زال يحمل في طياته العنف اتجاه من عارض التغيير الفاشل بكل مقاييس الحظارة, ان من اهم الأسباب التي ادت الى فشل الحكومة يتمثل في بعض العناصر المخولة وغير المخولة للظهور والتصريح والكذب عما يجري على ارض الواقع , كما انهم ولمصالحهم الشخصية انتهازيون , فهم يغيرون خطاباتهم فجأة كلما شعروا ان مناصبهم ومكاسبهم يهددها خطر الحقيقة !
فالمنتمين الفاعلين الى الكتل والأحزاب المتنفذة والحاكمة يتحدثون بطريقة لا تطمئن العراقيين على مستقبلهم ولا على سلامة حياتهم , كلامهم بعيد كل البعد عن الحقيقة, نراهم في كل حواراتهم متعبين متشنجين مع كل من يُظهر لهم حقيقة ما يحدث في العراق من فساد وفوضى كانوا هم سببا رئيسيا في خلقها, وحسب تصور الكثير من المطلعين على خلفيات هؤلاء فانهم يقولون بانهم لا يملكون مشروعا سياسيا ديمقراطيا نزيها لإنقاذ العراق من محنته وفوضويته , ولذلك يلجئون الى لغة الوعيد والعنف لضعفهم في مواجهة الظلم والفساد الذي يعصف بشعب العراق , كما يؤكدون بان غالبية هؤلاء في عقولهم تراث وقيم وصفات محورها العنف والثأر وعدم الصدق , هذا التراث والقيم والصفات تغذيها قوى لا تريد خيرا للعراق وشعب العراق , فما بالك وهم يقفون امام العراقيين وهم يكذبون !
فالمشروع الديمقراطي الذي بشرت به اميركا والتزمت به حكومة المالكي ابان انتخابها يتطلب توفر خطوات سياسية وخطاب يطمئن الشعب يكون بعيدا عن التأثيرات السلطوية او الدينية التي تخيفهم , فشعب العراق الذي كان قد ابتلي بخطاب صدام الدكتاتوري عاد من جديد بعد احتلاله ليبتلى هذه المرة بأكثر من فئة مسلحة تهدد حياته , ولذلك فلا يمكن في ظل هكذا اجواء قيام نظام ديمقراطي يمارس العراقيون حياتهم الطبيعية خاصة وان من اهم اركان الديمقراطية هي الأمن والصدق .
لقد ثبت بالملموس عدم كفاءة غالبية اعضاء الحكومات التي ادارة شؤون العراق منذ احتلاله وآخرها حكومة المالكي بسبب عدم مصداقية تصريحاتهم المتضاربة والمتباينة والتي تتغير كل ساعة وحسب المصالح ! , وبات الوضع بحاجة ملحة لحكومة صادقة تكنوقراط بعيدة عن التكتلات الطائفية والحزبية , وفي اعتقادي ان ذلك من الممكن تحقيقه خاصة واننا نرى هذه الأيام بان السيد المالكي قد دار دفة قاربه باتجاه آخر غير الذي رأيناه قبل سنتين , ولا ندري مالذي حدث ولماذا هذا التغيير ..اتمنى ان لا يكون هذا التغيير بدعوة ايرانية او امريكية !
ولكن وبالرغم من علمي ان العراق ليس بالسهولة ان يعود الى وضعه الطبيعي قبل غزوه , ولكني مؤمن بان التأريخ لن يرحم احدا خذل شعبه اوغيّب عنه الحقيقة او كذب عليه ....
اؤكد بانه اذا ارادت اميركا والمتعاونين معها من العراقيين ان يقدموا الى العالم عراقا بحكومة ديمقراطية تحترم مكونات شعبها وتعمل على حث جيرانها بعدم التدخل في شؤونها وتقوية علاقاتها الاقتصادية والثقافية والعلمية مع المجتمع الدولي , وتعمل على نشر ثقافة السلام وتوفير فرص للنهوض بالعراق نحو التقدم والازدهار والرفاهية ..واكرر ان ارادت اميركا ومن تعاون معها من العراقيين تحقيق ذلك فسيكون المطلوب ما يلي ..
دعوة مجموعة من الأكادميين الأساتذة والعلماء والقادة العسكريين ممن خدموا في العراق لأكثر من عشرين سنة قبل غزوه في 2003 , ممن لهم تأريخا مشرفا ونظيفا واعمالا جليلة خدمت العراق علميا وثقافيا واجتماعيا , وجوه معروفة في الأوساط الغربية والعربية, للاجتماع والتباحث عن حال العراق ومستقبله , ومن خلال هذا الاجتماع او المؤتمر يتم انتخاب حكومة ومجلس نواب عراقي بطريقة ديمقراطية وبالتصويت والعرض العلني , ولا ننسى وجوب دعوة الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة وطبعا وبحظور الدولة المحتلة اميركا للاشراف !
ختاما ...يقولون ان كرة القدم الأمريكية البيسبول هي الوحيدة التي تحتاج اثناء ممارستها الى لاعبين خشنين يمتلكون مهارات في ضرب الكلاّت والدعك واللكم واللطم والمشي الطويل...اما الحالة العراقية فنقول انها تحتاج الى لاعبين ماهرين يتمتعون بالحيوية وبحب الحياة بعيدا عن الدعك واللكم واللطم !
استاذ جامعي