يفترض أن يمثل الحكم على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين نقطة تحول هامة في عملية تحويل العراقي من دكتاتورية إلى دولة يسود فيها حكم القانون. غير أنه يبدو أنه من غير المرجح أن يغير الحكم بشكل ملموس من طبيعة المستويات المتباينة من الصراع الدائر في العراق، والمتمثل في هجمات الجهاديين وتمرد القوميين، والاقتتال الطائفي، والنزاعات بين المليشيات. فهذه المستويات من النزاعات متجذرة بشكل كبير ولديها مسبباتها التي هي أعمق من أن يغيرها حدث واحد، ولو كان حدثا دراماتيكيا. غير أنه من وجهة نظر الناجين وأقارب الضحايا في هذه القضية - قضية الدجيل التي قتل فيها 148 شخصا انتقاما لمحاولة اغتيال صدام في بلدتهم - فقد رسخ الحكم الادراك بسيادة العدالة. ومن جهة الادلة فليس هناك شك في قوتها. حيث قدم عدد من أهل البلدة وتمكنوا من الادلاء بشهادتهم وجها لوجه مع صدام حسين وتحدثوا عن التعذيب الذي تعرضوا له على يد محققي الحكومة الذين حاولوا معرفة مدى قوة المعارضة لحكم صدام في تلك المنطقة. وأظهرت الاساليب المستخدمة بالتفصيل كيف تمكن صدام من إحكام قبضته وسيطرته على الدولة. كما أن ردود فعل الرئيس المخلوع كشفت هي ذاتها عن الكثير. فقد برر ما حدث بالتساؤل عن السبب الذي يمنع الدولة من اتخاذ إجراءات ضد تمرد، وقال في إحدى المرات إن لديه أمورا في أجندته أكثر أهمية من أن يشغل نفسه بما يفعله مساعدوه. كما أنه بالطبع رفض حق المحكمة في محاكمته من الاساس. كما أكدت المحاكمة على قضية وجود تسلسل هرمي في القيادة يصل إلى قمته، وهذا رسخ لسابقة مهمة بالنسبة لأي حاكم مستقبلي يحاول التملص من المسؤولية. عنصر آخر هام في هذه المحاكمة هو أن العراقيين هم من أدارها بأنفسهم. وهذا أمر شديد الاهمية هنا. فقد جرت العديد من المحاكمات السابقة بحق حكام مستبدين بتدخلات دولية، مثل محاكمات نورمبرج ورواندا ويوغوسلافيا السابقة. انتقاد المحكمة غير أن درجة جودة المحاكمة كانت موضع انتقاد من جانب بعض المنظمات الاجنبية. وقال مالكوم سمارت، مدير إدارة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية "تعارض منظمة العفو عقوبة الاعدام في جميع الاحوال، ونشجب عقوبة الاعدام في هذه القضية". كما عدد سمارت مآخذ المنظمة على محاكمات صدام ومساعديه والتي وصفها بأنها تشوبها المخالفات. وقال "هناك تشكيك في استقلال المحكمة وحياديتها. وهناك تدخل سياسي. وقد استقال القاضي الاول ومنع القاضي الثاني لكونه عضوا سابقا بحزب البعث الذي كان الكيان السياسي الوحيد في عهد صدام، أما القاضي الثالث فكان له أقارب ممن قتلوا في قرية حلبجة". من جهة أخرى تضاف هذه المحاكمة إلى قائمة من المحاكمات التي ترسخ ببطء ولكن بثقة لقيام وضع قانوني دولي يمكن استخدامه لمواجهة الحكام المستبدين في العالم. موضوع من BBCArabic.com http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic/world_news/newsid_6119000/6119646.stm