THE CHALDEAN OF IRAQ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

THE CHALDEAN OF IRAQ

The website of the academic researcher: SIRWAN BEHNAN
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 مئة وخمسة وثلاثون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عامر خوراني




عدد الرسائل : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2008

مئة وخمسة وثلاثون Empty
مُساهمةموضوع: مئة وخمسة وثلاثون   مئة وخمسة وثلاثون Icon_minitimeالأحد أبريل 26, 2009 11:00 pm

مئة وخمسة وثلاثون

قصة
بقلم .. عامر خوراني



أشرق صباحا خريفيا على المحتجزين في غرفة عفنة خالية إلا من أريكة خشبية يسندها الجدار، تفوح منها رائحة بارود مختنق في ظلمة أركانها. عرض المكان أربعة أمتار، أما طوله شغل تفكيري، كلما فكرت قياسه بالأقدام، عدت أدراجي خوفا من خسارة مقعدي، قد لا يحالفني الحظ ثانية مع أريكتها العارية، التي أسعفتني من البرد، شغلتني بتدفئة نفسي، بجلوس على حافتها بين زميل ومسندها. بينما عشرات السجناء جلسوا مقرفصين على الأرض يشكون رطوبتها، شقت طريقها إلى أجسادهم تلسعها، محركة الحسد في أعماقهم ليطير شرا على مقاعدنا الحزينة، بينما ساعات قليلة تفصلنا عن مصير مجهول. قد لا تمنحنا تلك المقاعد وقتا أطول للعيش فوق أعمارنا ساعات إضافية.

عندما دفعني الحارس إلى الداخل، كانت الشمس تشرق ببطء من وراء الصخور على الأشجار، تداعب أوراقها الصفراء، تودعها بلطف حزين على دنوا اجلها قبل أن تسقطها الرياح، كان ضيائها يشرق رويدا مبتسما، دافئا، يلاحق الظلام في أوكاره. ما عدا هذا المكان، كأنه أسطورة شيدت على أنقاض الأرواح، ليعيش في شبه ظلام ابدي مع ضوء مريض لمصباح خافت معلق بالسقف، يموت نوره قبل أن يلامس البلاط، كشاهد وحيد على ما يدور تحته من أحكام تنفذ بحق البشر، الذين لم يبقى من أثرهم سوى بصمات مشوهة على الجدران في محاولة يائسة، لترك رسالة قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

الأريكة اليتيمة ربطت جسدي بنفسها كأني احد مساميرها، بينما معرفة طول الغرفة أوهمت قناعتي بوجود مفتاح حريتي في حل لغزها. قدرت الطول نظريا، دون نتيجة تسكن من لهفتي لأحسم أمري، محاولات كثيرة ذهبت أدراج الرياح لاصطدامها بظلمة أركانها، وتلاشى تقديريكلما اقترب من بقع اكتشف، كانت لدماء يابسة في أوقات غابرة.

يا الهي !! ما هو اللغز !! الذي يكمن وراء معرفتي لمساحة هذا المكان القذر !!
لازلت موجودا، أدخن، اعطس كعادتي كثيرا، أتذكر بوضوح توتر سهرة الأمس وتفاصيلها .. كيف دخلت فراشها بخفة الهر .. كيف انقلبنا مجانين ممارستنا.
لا زلت أشم رائحة جسدها .. قبلتنا الأخيرة .. خصلة شعرها.. كيف رفعتها عن كتفي قبل أن تفضح أمري.

تحسست جسدي بهلع من فكرة الموت، تملكني الخوف من حضورها ثانية. قطعت الشك بردة فعل هستيرية لحكة أعضاء جسدي كما لو لسعتها حشرة سامة.
بينما الحرب كانت قد وضعت أوزارها وانتهت بهزيمة الرفاق، الذين تشتتوا في أصقاع بعيدة.
منذ ذلك الزمن لم أمارس نشاطا يغضب النظام، ونشاط الأمس لم يكن ضدهم، كان ضد رجولتي التي ربطت بالحبل،بعد أن لم يفلح معي تعذيب آخر، صار يصيبها الإخفاق عند شدائد بعض المعارك ومن بعد تخديرها خلف القضبان بالكافور. لأجلها اختبرته قبل أن أعلنها حربا بعقد الذي اقترب موعد قرانه.
ليلتها صرت نشطا، حيويا، عرفت كيف أتذوق طعم الانتصار برسم خريطة الخلاص على جسدها. وهي انقلبت إلى لبؤة هائجة، بعد أن جردتني من لباسي بخفة متمرس، لعابها نزل ساخنا يسيل في فمي، استعانت بلسانها، بدأت تلسح فقرات عنقي واحدة تلو الأخرى، وهي في طريقها ببطء إلى حلمتي المكورتين، توقفت عندهم كادت أن تقطعهم باسنانها البيضاء. صارت تلاعب تجاعيد شعر صدري بأظافر القطة في حركة انزلاقها إلى الأسفل، وصلت لسرتي لحستها بجنون. قبل أن تعبر الحدود، لم تكن بحاجة لتكتشفه، كان قد وقف لها بالمرصاد، صلبا، بدد شكوك عجزه، استرد عافيته من بعد ماكنت علقت به في السقف.
الجولة التالية بدأتها أكثر جنونا، بعد أن غطيتها بجسدي وهي تئن كحيوان جريح تحتي، ضمتني إلى صدرها بقوة، متمتعة بكل قطعة عارية بكفيها، فجأة سمرت في مكانها، أزاحتني عن نفسها بهلع قبل أن تنفجر ينابيعها، حين لامست نعومة أناملها خشونة جروحي، آثار السوط، تجاعيد الحروق، نتوء المسامير، جلست مذعورة على السرير كما خلقت من غير قطعة تغطيها، تتأمل خارطة التي اكتشفتها، لم تتمالك من إمساك دموعها، سقطوا ساخنين على تجاعيد جروحي، الذين تفوقوا على جراحات المسيح، هكذا وصفتهم.
بدت نادمة بعد أن تذكرت آلام الرب، وبعد أن عرفت قصتي، لكن كان قد فات الأوان، لم تستطع أن تتراجع، تكبح رغبتها، نارها المستعرة لم تكن بعد قد تحولت إلى الرماد.

صدموني !! كيف اكتشفوا أمري بهذه السرعة، لم يكونوا بحاجة لكل هذا الصخب الذي أبدوه، ولكل تلك الأسلحة المخيفة. جندي اعزل كاد يكفي لاعتقالي، لأنني كنت قد جردت من جميع طلقاتي ولم يكن الفجر قد بزغ، لأنها كانت تحشو سلاحي بسرعة الوميض فكنت أفرغه بصاعقة البرق.
وعندما هجموا على مخدعنا كنت الهث ككلب عجوز. لم أكن انتظرهم في فراش اختباري، كما لم أتذكر لهم دينا عندي، كنت قد دفعته كاملا في المرة السابقة، ما زال توقيعهم طريا على ظهري، ودموعها تقسم على ذلك.
كانوا قد اغتالوا في حب الذي لم نعلن عنه، حرموني من أوقاتهالجميلة، كبروني فجأة، صرت اشتكي آلام الشيخوخة، لم يعد جسدي قادرا لدفع فواتير أخرى، بعد أن فسدوا مدخراته.
رغبة البكاء تحركت في داخلي، استيقظ فيَ حنين العودة إلى طفولتي لأتحرر من خجل دموعي، اصرخ بملء فمي، ارتمي في حضن أمي، أتسطح في صيف قريتي، ابحث في حلكة سمائها عن نجوم السيارة، كزوار خفاف لم يمكثوا طويلا، أواصل سهرتي مع نجوماعرفها في هدوء ملائكي، أعدها ككل ليلة، أرقمها، اجمعها واضربها ببعضها حتى أوقات متأخرة، لحين غفلة تدخل لتسرق النوم من نعومة تفكيري.
استفيق صباحي على أنغام ألحان ملائكية لعصافير تغرد في الوادي، لأرجع معها لزمن لم يكن في صدري ألم الخيانة .. بعيدا عن السياسة التي أربكت حياتي ..ومن غيرالكوابيس الذين فسدوا أحلامي بالأرض الطيبة، التي لم أجد لها فيما بعد وجودا لافي كتاب أفلاطون ولا بين اسطر كتب محظورة.

منذ زمن النجوم أصبحت بارعا في الحساب، كان لي معلما يضرب المثل في قدرتي بصفوفه المتقدمة. كنت فخورا بنفسي، جريئا، بينما خوفا كان يعكر سعادتي من عقاب طلاب يكبرونني أحيانا، انتقاما من قدرتي السماوية، سببت عقابهم أو إهانتهم من المعلم.رغم ذلك لم أشم من ذلك الزمن رائحة الموت، كما أشمه في هذا الوقت الصباحي من هذا المكان الأسطوري الذي دخلت حدوده، وابتعدت كثيرا عن عالم الأمسوعن نوم الذي ما زال عالقا بين أجفانه في أسرته الدافئة .. والأنوف المنتعشة بروائح الشاي المخدر في صخب المطابخ، بات نداء أمي لا يصلني لتناول الفطور قبل أن يبرد خبز التنور.
لم يهدا روعي، طالما لم اعرف طول المكان، كما لم اعد اشتهي الفطور رغم آلام الجوع، رغبت فقط بإعداد قهوتي الثقيلة، لانتصر على النعاس الذي أرخى خيوطه في راسي، قد تكون فرصتي الأخيرة، انه سجن لا يمكن لشيء آخر إلغاء حقيقته. أريد أترك لها رسالة. من اجلها اختبرت سلاحي، بعد أن اعتقدته عاطلا، مزنجرا، بعد أن تجاوزنا تفاصيل وأعلنا حبنا.
اطلب منها السماح، لعلها تغفر لي هفوتي، لم اقصد إهانتها، لتعتبرني مراهقا غلبته نزوته، قد لا تصلها رسالتي، بعد أن يقرؤوها ألف مرة، لا تلين قلوبهم، ربما تستخدم ضدي، لا كصك للمغفرة بل كرسالة سياسية، اعترافا لهم وليس لها.
اعلم ذلك جيدا لكنها مجرد محاولة يائسة، لأخفف عنها وقع خيانتي، قد لا تصمد طويلا بين جدرانها، لا ترحمها الألسن، اعرفهم جيدا، لا يحتفظون بالفضائح، ينشروها بسرعة النار في الهشيم.

ما أثقله الوقت، لاشيء آخر غير الحساب يمكنه أن يشغل مساحة تفكيري، للانتصار على عقاربه.
أجول بنظري مدققا في الوجوه أملا مع القادمين رفيقا، أو وجها أليفا، لا أحد، لا فرجة في ملامحهم غير الشحوب يغطيها، ما أكثرهم يا الهي !! يريد النظام تصفيتهم مرة واحدة.
سد كل الدروب، المداخل، المخارج، سحبهم من جنب زوجاتهم نصف عراة، طوقهم كالكلاب، كالمجرمين، نزل بهم الضرب وهم مقيدين، أوقعهم في شبكته ببراعة صياد ماهر، حشرهم في هذا المكان، قبل أن يرسلهم إلى الجحيم.
كالخراف التصقوا ببعضهم، بعيون لازالت حائرة بين سهرة الأمس ومفاجئة اليوم، وأملا ضعيفا تعلق بين أهدابها لهزيمة الموت، بالتوسل، بالبكاء للعودة إلى أحضان أمهاتهم، زوجاتهم، إلى أسرتهم الدافئة يتقلبون على مخدتها، لعله كابوس يزول معأولى دقات ساعتهم.
بينما وحدي منشغل بنتائج حسابات أولية ليس لها الآخر. إنهم خونة، معارضين سياسيين، هاربين من الجيش، وأنا كنت كذلك قبل أن يسحبونني من تحت سرير الخيانة. بكوني أطفالها بحرارة الأب، وهي مذعورة من الجنة التي انقلبت تحتها نارا، لازالت عارية من قطعة تسترها، تصرخ بجنون على أطفالها ومن اجلي .. من خوفها من عيونهم الشرسة .. ومن هول المصيبة، كصاعقة زلزلت حياتها.
كنا ثلاثة، بعد ربع ساعة أصبحنا ثلاثة عشر، الزيادة بمعدل 0،6666 إنسان في الدقيقة، إذا كان الجسد يقبل القسمة، بعد زمن طويل تبين لي إمكانية تقطيع الجسد الى أشلاء او تجميع بقاياه المتناثرة.
ثلاثة وعشرون، وثلاثون، ازداد عدد القادمين بمعدل خمسة عشر لكل عشرة دقائق، أي إنسان كامل، ونصف إنسان آخر في الدقيقة، القسمة مقبولة شفويا بتقطيع الجسد إلى نصفين، كما كنا نتهدد من قبل أمهاتنا، بينما النظام برهنها تجريبيا، طبقها عمليا في غاراته الكثيرة على المعارضين في أوقات تصفيتهم.
اختنق المكان بروائح الأفواه، اضطرب صدرنا، صار يشتكي نفاذ الهواء، امتلأ شهيقنا بأبخرة يوريا المتحررة من التبول في كل مكان، وعلى الجدران لمسح قصص روادها، بكثافته اللزجة من بعد نوم طويل.

في الصف الأول من دراستي الابتدائية طرت فرحا حين اعتقدت باني المكتشف الأول لقانون رياضي (معرفة المساحة). بعد أن تعلمته في مراحله من فيثاغورس، خوارزمي، طاليس، لم تزعجي الحقيقة، بقدر ما ملأتني فخرا لاكتشاف قانون النجوم، لمعرفة أعدادها في سماء قريتي، بقسمة السماء إلى مربعات افتراضية وضربها في أعداد النجوم الافتراضية، للحصول على نتائج افتراضية هائلة.

سذاجة ذلك الزمن شدتني إلى نفسها، استيقظت قوية لمعرفة مساحة الغرفة، لأجل معرفة عدد الموجودين، الذين يبكون قدرهم بصمت على أرضيتها، قد لا تشرق شمسهم مرة أخرى، لأنها سوف تغرب إلى الأبد.
فرض الطول نفسه بسبعة أمتار في أربعة لم تقنعني النتيجة، أردت حساب اكبر من الكسور والجذور لقطع الشك لمعرفة العدد كاملا، ليسوا بالحيوانات، أنهم بشر منكوبين، قد لا يبشرون بالمستقبل لكنهم موجودون وكان لهم تاريخ،ربمايشرق مستقبل خلفتهم ليغيروا وجه الحياة ويهدموا المكان على رؤوس جلاديه.
لم أذق طعم النوم منذ زمن بعيد، حاسوب الكتروني فقط وحده ينقذني لمعرفته بالثواني، دون الحرج من خيبة ذاكرتي إلى جانب نتيجة خيانتي.
بدأت الحساب بأرقام صغيرة، من قسمة عقد السنين على السنين .. الأشهر .. والأيام، ومن ثم ضرب اليوم في الساعات، كبر الحساب فجأة في ضربه بالدقائق .. الثواني، ثم بالأجزاء من الثواني. انزلق مني تفكيري، ليغطس في قعر شبكة الأرقام العنكبوتية، تائها في خدعها متعثرا بين نتائجها، طلبت قلما في صرخة النجاة من أرقام التي لفت حول عنقي، حصلت عليه، طلبت ورقة، تدخل احدهم ساخرا، لعلني كنت ارغب الحصول على امرأة ملساء، لم أرد عليه لأنه لم يعلم كنت في عشرتها قبل أذان الفجر، ما زال لعابها ساخنا على جسدي، تدخل احدهم ليقدم العون، لكتابة ذكرى على الجدار، لم أعيره الاهتمام، فضول حرك راسي لالتفت خلف كتفي واكتشف بنفسي.
يا للغرابة !! كتابات تقطر دموعا لصرخات أرواح احتضرت في زمن مجهول، ماتت حقائق أناتها تحت ضوء مصباحها الخافت، حروف من الأسماء حفرت بالأظافر، تواقيع نقشت بالدم، غير عابئة لسخونة الطلقات الذي اخترقتاجسادها، مازال اثر الرصاص على الجدران يروي قصصا دون الراوي، ومن غير أن تتخطى أسوارها،لتبقى كأسرار محكومة إلى الأبد.


الغرفة الباردة، انقلبت جهنم في حرارتها، اختفت أريكتها تحت الأقدام، مئة وخمسة وثلاثون جسدا التصقوا ببعضهم على مساحة ثلاثون مترا مربعا، اكبر تضخم سكاني على وجه الأرض، 4,5 إنسان لكل متر مربع، يتقاسمون 105 متر مكعب من الهواء الملوث، 0,259 متر مكعب لكل فرد. طافت إلى ذهني تجربتنا المدرسية وتذكرت الشمعة التي كان يحتضر نورها ببطء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وعاء شفاف. كان هذا آخر حساب تدخلت العناية الإلهية في كشفه بدقة، قبل أن تتدخل لسحب أرواحهم التي لم تقبل القسمة. سقطت الأجساد واحدة تلو الأخرى وهم يتنفسون آخر ما تبقى لهم من 0,259 متر مكعب من الهواء الحر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مئة وخمسة وثلاثون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
THE CHALDEAN OF IRAQ :: النافذة الالكترونية للباحث الاكاديمي سيروان شابي بهنان :: عالم الادب-
انتقل الى: