لتبقى مدينة عنكاوا القلعة الحصينة للأمة الكلدانية في اقليم كوردستان
بقلم : حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.no عنكاوا ، او عينكاوة كما هو مكتوب على علامات المرور في المدينة او خارجها ، هي مدينة كلدانيــة تمتاز بعراقتها وتاريخها الموغل في القدم ، زرت هذه المدينة مع وفد كبير من القوش في اواخر الخمسينات من القرن الماضي لتحية البارزانيين العائدين الى الوطن من منفاهم في الأتحاد السوفياتي السابق . يومها كان يفصل عنكاوا عن اربيل طريق ترابي طوله حوالي اربعة كيلومترات ، ويومها ايضاً كانت عنكاوا بلدة زراعية وكان شعبها يحبس انفاسه ترقباً لنزول الأمطار إذ مما يسرها كان تكّون السحب في السماء ايذاناً بوصول الغيث وهطول الأمطار التي تحمل الخير والبركة فالحقول واسعة والزراعة عماد اقتصادها .
اليوم بعد حوالي نصف قرن من السنين اضحت عنكاوا ملاصقة لمدينة اربيل وتوسعت وتنوعت مصالحها ولم تعد الزراعة عماد معيشتها في الدرجة الأولى ، فعنكاوا اليوم يتخللها التوسع العمراني ، وتزدهر فيها الحركة التجارية والسياحية وتنتشر فيها الجمعيات والمؤسسات الحكومية والأجنبية ، فكان الأقبال الكبير على شراء الأراضي الزراعية التي تحولت الى اراضي معدة للسكن ، وقد جرى توزيع الوجبة الأخيرة من هذه الأراضي قبل ايام لاهل عنكاوا ولغيرهم من المسيحيين في اقليم كوردستان .
إن هذا التوسع قد جعل من مدينة عنكاوا مدينة مفتوحة للجميع وقد يكون في ذلك جانب إيجابي من حيث ازدهار الأقتصاد ، لكن هذا الأنفتاح لا يخلو من جوانب سلبية ، فمنهم من يقول ان عينكاوا قد فقدت أراضيها ، ولم يبق شئ للاجيال القادمة ، كما ان عنكاوا تفقد بعض خصوصيتها في هويتها الكلدانيــــــة جراء هذا التوسع وهذا الأنفتاح . في كل الأحوال لا نستطيع ان نخرج من واقع الحال الذي خيم على هذه المدينة .
بعد هجرة المسيحيين من مدن العراق بعد ان طالهم العنف الدموي وعمليات الخطف والأبتزاز ، كانت مدينة عنكاوا واحدة من المحطات التي استقر فيها كثير من هؤلاء المسيحيين ، فالبلدة لغتها كلدانيــــة فالقادم اليها لا تعترضه صعوبة في التفاهم إن اراد الأستقرار او العمل او مزاولة عمل تجاري او صناعي او سياحي . كما ان قوانين اقليم كوردستان التي تتسم بالعلمانية والديمقراطية قد ساعدت في جذب هؤلاء المهاجرين الذين لا يرومون ترك الوطن ، فاستقر في عنكاوا اعداد كبيرة من المسيحيين الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا في هذه المدينة الترحاب وأسباب المعيشة إضافة الى قوانين حكومية سهلة وبعيدة عن الروتين والتعقيد .
في ظل هذه الظروف المؤاتية والقوانين والتسامح والتعايش المجتمعي الذي يسود اقليم كوردستان باتت مدينة عنكاوا تحتل مكانة متقدمة بين مدننا وقرانا في جذب اعداد كبيرة من ابناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن للسكن والأستقرار في هذه المدينة ، فأولاً توفر فرص العمل ، وثانياً كانت ثمة قوانين مسامحة وسهلة لحرية العمل وحرية التملك . والى جانب ذلك يمكن الأستشراف على حالة أخرى وهي انتشار منظمات المجتمع المدني في هذه المدينة إضافة الى مقرات لمختلف الأحزاب السياسية لشعبنا وانعقاد الندوات والمؤتمرات ، فكان لعنكاوا الدور الريادي ليس في الأقتصاد والمال فحسب بل في مجال السياسة والثقافة وغيرها .
وبذلك امست عنكاوا قبلة تجذب المسيحيين اليها ، ولا زالت الى اليوم ، وهنالك حالة مهمة يمكن تشخيصها في مدينة عنكاوا وهي ضعف الهجرة منها الى الخارج بعكس المدن الكلدانيـــــة الأخرى التي يستفحل في اوصالها نزيف الهجرة ومنها كمثل غير حصري القوش وتللسقف . فعنكاوا تبدو مستقرة الى حد ما من هذه الناحية ، وربما هذا الأستقرار هو النتيجة الطبيعية للاوضاع التي تسود اقليم كوردستان من ناحية الأسقرار السياسي والتعايش المجتمعي وسيادة القانون .
إن حكومة اقليم كوردستان معنية بتعزيز مكانة هذه المدينة وبلورة دورها في جعلها عاصمة للمسيحيين ، إن صح التعبير ، في اقليم كوردستان ، فهي مؤهلة لان تلعب هذا الدور بفضل إمكانياتها المادية والثقافية والسياسية والبشرية .
هنالك ضغوط لتغيير هوية عنكاوا الكلدانيــــــة ، وتلك الضغوط تندرج في المساعي غير الحميدة التي تعمل على القضاء على الكنيسة الكلدانية عموماً ، وكذلك على طمس الهوية الكلدانية ، وهذا امر مؤسف ان يعمل في هذا الأتجاه لفيف من ابناء شعبنا الكلداني . وحين إنشاء فضائية عشتار كنا نتأمل ان تكون هذه الفضائية عاملاً إعلامياً معاصراً يعكس تطلعات شعبنا في السياسة والأدب واللغة والتراث ، لكن هذه الفضائية اختارت جانب الأنحياز لمكون واحد من شعبنا وهو المكون الآشوري وعملت بشكل علني على طمس الهوية القومية لشعبنا الكلداني ، ونحن نشاهد مدى تغطية هذه الفضائية للمؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري المنعقد حالياً في عنكاوا ، في حين اهملت تغطية بل لم تحضر إطلاقاً للمؤتمر الثاني للمجلس القومي الكلداني في عنكاوا مما يدحض مصداقية هذه الفضائية ويعكس انحيازها الكامل الى جهة واحدة .
نحن نتطلع الى مدينة عنكاوا الكلدانيــــة لتكون رمزاً لشعبنا المسيحي بشكل عام ولأمتنا الكلدانيــة بشكل خاص وهي مؤهلة لان تلعب هذا الدور ، ونتمنى ان تقوم حكومة اقليم كوردستان بتعزيز مكانة هذه المدينة وجعلها عاصمة للمسيحيين في اقليم كوردستان بشكل عام .
حبيب تومي / اوسلو في 4 / 12 / 2009