Sirwan Shabi Admin
عدد الرسائل : 936 تاريخ التسجيل : 04/10/2007
| موضوع: المواطن المسيحي والإلتزام السياسي السبت يناير 19, 2008 6:26 pm | |
| Stockholm.Erbil.Ankawa <HR width="100%" SIZE=2> العنوان: المواطن المسيحي والإلتزام السياسي إرسال بواسطة: سالم ساكا في يناير 18, 2008, 05:33:11 pm
المواطن المسيحي والإلتزام السياسي كلُّنا يعلم بأنَّ الانسان وحدة متكاملة لا يمكن فصلها. فلا يمكن في الانسان الفصل بين ما يخصّ حياته المادية والإجتماعية والأخلاقية والروحية والسياسية. نعم، هذه أمور متميِّزة لكنَّها ليست منفصلة (أنا إنسان واحد أعيش أكثر من مجال في حياتي). من هنا، الحياد والصمت فيما يتعلَّق بالشؤون السياسية، وفي أمور الحياة العامة، أمرٌ مستحيل، لأنَّ الحياد والصمت هو موقف بحدِّ ذاته. عليه لا يمكن للإنسان المسيحي في أيِّ مكان كان (وهنا في العراق بالذات) أن يعيش على هامش المجتمع. أي دون أن يشعر بما يشعر به المجتمع، وأن يعاني ما يعاني منه المجتمع، وأن يفرح لما يفرح منه المجتمع. لذا يجب تجنُّب تجربة الذوبان من جهة (أي فقدان الشخصية الايمانية في خضم المجتمع)، كما يجب تجنُّب تجربة الإنعزال (فقدان الهوية الثقافية والاجتماعية للمؤمن). الحلُّ الصحيح هو في حضور المواطن المسيحي في المجتمع، والحضور الفعّال كمواطنين مسيحيين. من هنا يجب علينا أن نفهم جيداً معنى ما قاله المسيح ‘‘أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله’’. فالمعنى الصحيح لهذا القول هو أن لا يتمَّ إستغلال الله (الإيمان) لمآرب سياسية، ولا إستغلال السياسة (قيصر) لفرض الايمان. القصد من القول هو التمييز بين الإثنين إذاً لا الفصل. خاصة وهناك مجالات عمل مشتركة بين الله وقيصر (كرامة الانسان، الحريَّة، العدل، السلام…). من هنا الالتزام بالشأن السياسي كمواطنين مسيحيين أمر حيوي من الناحية الإيمانية أيضاً. تصوّرات خاطئة عن الايمان والالتزام بالحياة العامَّة. - ليس الإيمان قومية (كلدانية، سريانية، آثورية، أرمنية، عربية...) أو طقس (سرياني، أرمني، كلداني، لاتيني...) أو روحانية (صلوات وعبادات). الإيمان حصراً هو ذلك الحبّ الكبير لله والإنسان ‘‘كل إنسان’’. أعيشه إنطلاقاً من قوميَّتي، وأمارسه من خلال الطقس الذي إليه أنتمي، وأُحافظ عليه بل أُعزِّزه وأُنمّيه من خلال الصلاة، الصوم والصدقة وأفعال العبادة الأخرى. - ليس الإيمان المسيحي أقليَّة تعيش وسط أكثرية، وعليها أن تَتدبَّر أمورها حسب إمكانياتها. هذا موقف مرفوض أساساً. فهويَّتُنا ورسالتُنا لا يجب أن تتأسَّسا على العدد أو النسبة المئوية، بل على ‘‘كرامة الإنسان’’، التي على كلِّ إنسان أن يتمتَّع بها لأنَّها من الخالق ولا يُسمح لأحدٍ أن يحتقرها أو يقوِّضها. مثلها تماماً مثل المواطنة والحقوق والواجبات العامَّة والخاصَّة. - إيماننا المسيحي ليس مُستَوْرَداً من الغرب، ولا يجب أن يحمل تبعات الغرب (ضدّ العروبة، ضدّ الاسلام، إستعمار، حروب صليبية، هجرة الى الغرب، ثقافة غربية…) - الإيمان المسيحي يجعلنا أفضل من غيرنا (ماديّا أو ثقافياً او تنظيماً…) ‘‘عقدة الإستعلاء’’، أو عقدة الإمتيازات والحقوق والحاجة الى الحماية... (نحن أفضل منهم). - الايمان المسيحي يقودنا الى الإنكفاء الذاتي، وعدم الثقة بالنفس وبالمجتمع، والتظلُّم، والخوف ‘‘عقدة النقص’’ (نبتعد منهم لنقي شرَّهم).
المبادئ التي يقوم عليها الإلتزام المسيحي بالحياة العامة: إنَّ الهدف من العمل السياسي هو خدمة الصالح العام وذلك بضمان الكرامة الكاملة للإنسان كفردٍ وكجماعة. وفي هذا القول حدٌّ واضحٌ لأيِّ شكلٍ من أشكال الإستبداد الجماعي بحجَّة الأمن ( كما هو الوضع في بلادنا). إنَّ كرامة الانسان هذه مُستمدَّة من كرامة الله (إيمان)، من هنا يجب أن تكون المحافظة على هذه الكرامة أول أهداف الحياة العامة (العمل السياسي). وبما أنَّ العمل السياسي خدمة، من هنا لا يجوز لأحدٍ أن يَتهرَّب منها، أو أن يتقاعس أو يتخاذل، بحيث يعيش على حساب غيره وعلى جهد غيره ومعاناة غيره. كما أنَّه لا يجوز لأحدٍ أن يحتكر هذه الخدمة بحيث يمنع غيره من المشاركة الفعّالة في تسيير أمور الحياة العامة. ولا يجوز منع الأقليَّة مثلا من العمل السياسي بحجَّة أنَّها أقليَّة. نعم، لا يحتوي الانجيل المُقدَّس نظاماً سياسياً مُفصَّلاً كما هو الحال في الاسلام مثلاً، لكنَّنا نجد فيه مبادئ تُشكِّل أساساً لتطوير مبادئ النظام السياسي. ويقوم الفكر المسيحي (اللاهوت) بتطوير هذه الأُسُس وبتطبيقها على الأوضاع السياسية المختلفة باختلاف البلدان. لكن يبقى العمل السياسي أمرٌ مفروضٌ على كلِّ مواطن، وإنَّ هنالك نبرة خاصَّة للعمل السياسي من منطلق الإيمان المسيحي. إنَّ المشروع السياسي المسيحي، أي المٌنْطَلِقْ من الإنجيل، يوضِّح لنا ما يجب أن تقوم به، لكنَّه لا يفرضه عليك. فالسياسة عالم له قوانينه، أنظمته وأسلوب عمله، وَمَنْ يلتزم به يجب أن يدخل في هذه الدينامية. فالعمل السياسي إذن هو من أعمال المؤمنين أيضاً، كلُّ المؤمنين، لكن بدرجات متفاوتة. فقد يتفرَّغ البعض له، بينما يبقى البعض الآخر مشاركاً فيه بالإضافة الى خدمة أخرى يؤدّيها في المجتمع. والكنيسة ككنيسة ‘‘مؤسَّسة’’ توجِّه نداءها الى أبنائها والى كلِّ إنسان يريد أن يسمع صوتها. لكنَّها تأبى أن يستغلَّها أحد ليجعلها أحدَ أعوانه. الكنيسة عونٌ لكلِّ إنسان مهما كان هذا الإنسان. لكنَّها ككنيسة لا تدخل صفوف المعركة ضدّ أحدٍ وإن نَدَّدتْ بالإعتداءات أو نادت بالحقوق. دور الكنيسة إذا هو دور نبوّي ويجب أن يبقى نبوياً، أي نقدياً ومحاوراً. أمّا المواطن، فإنَّه يدخل صفوف المعركة السياسية، لأنَّه مواطن مثل غيره، ومكانته تفرض عليه الى جانب مواطنيه، حيث يجب عليه أن يَتصرَّف بوحي من إيمانه. معنى ذلك أنَّه لا توجد محاذير مفروضة على المؤمن في التزامه السياسي. عليه هو أن يرى بإيمانه ما يناسب الإيمان أو لا يناسبه في الحزب أو الخط السياسي الذي ينتمي اليه، وأن يَتصرَّف بحسب مبادئ هذا الإيمان. طبعاً هذا يفترض أن يكون الانسان المؤمن مُلِماً بأمور إيمانه. وهذا موضوع آخر طويل ومُعقَّدْ. من جهة أخرى، إنَّنا نرفض وبشدَّة أمرين جوهريين في الكنيسة كمؤسَّسة: الأول أن تصمت وأن تبقى محايدة في حال وقوع الظلم وإنتهاك كرامة الإنسان وحريَّته، والثاني، أن تصبح بوقاً لتيارٍ أو حكمٍ سياسي ما. فالكنيسة الحقيقية، كنيسة المسيح الحقَّ يجب أن تكون صوت الإنسان المظلوم والذي أُنتُهكتْ حقوقه.
المباديء الأساسية للإلتزام السياسي: أمّا المبادئ الإيمانية المسيحية التي عليها يجب أن يُبنى إلتزام الانسان المسيحي بالسياسة فهي: 1- مبدأ الخلق: خلق الله الكون حسناً وحسناً جداً. لذا، أصبح الكون مكان التزام الله في حياة البشر. فكم بالأحرى يجب أن يكون مكان إلتزام الانسان الذي أقامه الله وكيلاً على الخليقة وما فيها. وبما أنَّ الخلق هو عمل مستمر، بمعنى أنَّ الله خلق ويخلق باستمرار، هكذا على الانسان أن يشارك الخالق ليصبحَ خلاّقاً مع الخالق. وهذا الإلتزام يجب أن يشمل جميع جوانب الحياة، بما فيها طبعاً الشأن السياسي. الله التزم في حياة البشر، وعليك أنت أيضاً أن تلتزم في حياة البشر. 2- مبدأ التَجسُّد: التجسد معناه إنَّ المسيح إله حقّ وإنسان حقّ. والتَجسُّد قضى نهائياً على التناقض أو الإزدواجية بين ما هو أبدي (الله) وزمني (إنسان). فقد جمع المسيح الأمرين في شخصه الواحد. من هنا أصبح الالتزام بما هو زمني ( السياسة) التزاماً بما هو أبدي (الايمان)، والالتزام بما هو أبدي (الايمان) التزاماً بما هو زمني (السياسة). هذا يعني أنَّ إيمانك (الهي) يبقى ناقصاً إنْ لم تلتزم بواقع الحياة (زمني)، والتزامك بواقع الحياة (زمني) إنْ لم يستنر بنور إيمانك (الهي). 3- مبدأ الفداء: الفداء هو خلق جديد للإنسان في يسوع المسيح. والفداء تمَّ مرّة واحدة وللأبد على الصليب. لكنَّ الانسان مُلْزَمْ بقبول هذا الفداء في نفسه وفي الآخرين. أي أنَّ الانسان مُلْزَمْ بتطبيق الفداء. والتزام المؤمن في الأمور الزمنية، بما فيها السياسية يعنى التزامه في تحقيقِِ خلاصِ المسيح في تجديد مجالات حياة البشر. 4- مبدأ ‘‘أنتم ملح الأرض...’’، ‘‘أنتم نور العالم...’’، ‘‘أنتم الخميرة في العجين...’’: فإذا إنعزل النور عن البيت فقد معنى وجوده، وإذا أُنتُزِعَ الملح من الطعام فلا فائدة منه، وإذا أُخرجت الخميرة عن العجين تَحجَّرَتْ وفسدت. لذا، إن أراد المسيحي أنْ يكون نوراً وملحاً وخميرة، لا يجب أن ينفصل عن حياة مجتمعه. فلأنَّه ملح وخميرة ونور، كلُّ ذلك يُحتِّم عليه أن يكون وسط المعركة، لا مُتفرِّجاً عليها، وأن يعمل بكلِّ ما في وسعه من الداخل، أي من واقع إلتزامه الجدّي والواعي لكي يعطي الحياة بل الأفضل والأوفر للآخرين.
الأب سالم ساكا
|
| |
|