العراق .. بين تزويرالانتخابات واباحة القتل
ادورد ميرزا
لا شك في ان التمسك بالطائفية كانت من اهم الأسباب التي جعلت دولة العراق ممثلة بحكوماتها المتعاقبة بعد 2003 ان تتراجع عن ركب المدنية وتلتحق بمؤخرة الدول المتخلفة والتي اقسمت على التمسك بايدلوجيات قديمة كرست الأحقاد والفرقة , ان الدولة التواقة للديمقراطية والسلام عليها اولا توفير الحياة الآمنة والعيش الرغيد لمواطنيها , ولكي يتحقق ذلك يجب ان تكون هناك حكومة نزيه تعشق الحياة وتحترم انتماءات الانسان , عندها فقط سيكون بمقدور هذه الدولة ان تلتحق بركب الدول الديمقراطية المتحظرة .
ومن منا لا يعرف ما خلفته سياسة الطائفية والتمييز والاقصاء في العراق , فالاعتقالات العشوائية والاغتيالات ما زالت تنفذ في وضح النهار وتحت انظار المسؤولين, فالكل شاهد تعذيب وقتل سجين مدني اعزل من قبل معتقليه على شاشات الفضائيات حيث يرمى على الأرض ويداس بالأقدام ويضرب حتى الموت , الى جريمة تفجير ناقلة تنقل طلابا مسيحيين على طريق بغديدا موصل ..وغيرها وغيرها ....اي عراق آمن يتحدثون عنه ساسة العراق, واي استقرار واي سيادة واي تنمية اقتصادية واي بناء ومقاولات , الله يخليكم ..كاف كذب ....اننا نشهد البطالة والتسكع في الطرقات تنتشر بين غالبية العراقيين وعل ارض جميع المحافظات, ونشير ايضا الى ان طلب التعيين في مؤسسات الدولة المختلفة مازال يعتمد على المحسوبية الطائفية والحزبية كما كان يحدث في زمن صدام , اما البسطاء المساكين فحدث ولا حرج فانهم اما يجبرون على دفع الرشاوي او يطالبون المساكين بعلاقات غير مشروعة لتسهيل طلب توظيفهم .
اما بخصوص الانتخابات فاريد القول بانه في غالبية البلدان المتحظرة لا يجوز اجراء الانتخابات الا بعد حل الحكومة واحلال بدلها حكومة مؤقتة مستقلة مختارة من ذوي الكفاءة والنزاهة ويشاد لهم بالوطنية تأخذ على عاتقها تصريف الأعمال ..اما في العراق فالأمر عكس ذلك فحكومة المالكي بما تملكه من سلطة على الاجهزة الحكومية وخاصة الامنية كانت هي المهيمنة على سير العملية الانتخابية مستخدمة امكانية الدولة لمصلحتها .. واترك للقارئ التفكير في تقييم نزاهة الانتخابات .
مما لا شك فيه ان غالبية الحكومات التي حكمت العراق منذ تأسيسه والى هذا اليوم كانت قاسية وغير ديمقراطية ولا نزيه , حيث لم تستطع الارتقاء بالعراق وشعبه ليتناسب مع مكانته التأريخية , ولذلك فان الشعب العراقي كان مؤيدا للداعين لمشروع تحرير العراق من سيطرت النظام الدكتاتوري عام 2003 , ولكن ومع الأسف فان هذا المشروع لم يكن تحريرا من الظلم والحكم الدكتاتوري بل كان وكأنه مشروعا لتدميرا لبنية الدولة العراقية ونهبا منظما ومعد سلفا لكل اجهزة منشأته العسكرية والخدمية والعلمية والتعليمية , لقد فوجئ العراقيون بنظام حكم غريب وعجيب ضم مجموعة من شخصيات سياسية واحزاب وتكتلات مختلفة الايدلوجيات ومتعددة الاقطاب ,بعضها معروف والبعض الأخر غير معروف اطلاقا, لا بل اتضح فيما بعد ان بعضهم مرتبط بدول اقليمية ارتباطا ايدلوجيا ستراتيجيا , ناهيك عن ان غالبيتهم ذو نزعة دينية طائفية او نزعة قومية عنصرية , اما في مدى كفاءتهم فقد ظهر انهم لا يملكون اي كفاءة علمية او ادارية ولا حتى دراية بثقافة حقوق الانسان , ويبدو ومن خلال عملهم في الساحة السياسية انهم مغرمون بالسلطة وبالمال لتحقيق اكبر قدر من مصالحهم ومصالح احزابهم , وقد اتضحت معالم شخصيتهم جليا بعد ظهورهم على شاشات الفضائيات وحواراتهم الغير منتظمة في مجالس النواب والتي تشم منها رائحة المراوغة والحيلة والتي اكدت لنا عدم اهليتهم في اقناع الشعب ببرامجهم , ونتيجة لما تقدم ولعدم كفاءة هؤلاء وعدم آهليتهم لقيادة المشروع الديمقراطي في العراق فقد انتشرت الجرائم بكل اشكالها , وعمت الفوضى وانتشر الفساد والرشوة على نطاق واسع في كل مؤسسات الدولة الرسمية باستثناء بعضها في المحافظات الشمالية { اقليم كردستان } .
ان المشروع والأجواء الديمقراطية في دولة تحترم مواطنيها تتيح للفرد الفرصة ان يبدع وان يتقدم بمؤهلاته ليخوض الانتخابات والتنافس مع الأخرين للحصول على ثقة الناخبين والفوز بمنصب متقدم يتيح له من خلاله خدمة المجتمع بجدارة ونزاهة , ولكن في دولة العراق وهي من الدول التي قيل عنها انها ستكون دولة ديمقراطية بعد 2003 فاننا لم نلمس من الأجواء الديمقراطية غير المهاترات والتسقيطات والبراعة في تنفيذ ابشع طرق الفساد المالي والاداري وبشهادة منظمات المجتمع الدولي , فالتحايل والقتل والتهجير وثقافة الاجتثاث والاقصاء التي لم يسلم منها احد حيث كانت هي سمة المرحلة..وكان قرار هيئة المسائلة الأخير باجتثاث من فازوا في الانتخابات الاخيرة دليلا عمليا على عدم نزاهة القائمين على ادارة البلاد وذلك باستبعاد من انتخبه الشعب .
يقينا ان شعب العراق لا يمكن ان يحكم وفق نظام المحاصصة ولا حتى من قبل مجموعة احزاب دينية وطائفية وقومية في آن واحد حيث اننا ومنذ 2003 لم تتحقق الديمقراطية ولم يحل السلام ولم يسعد العراقيين ولو بيوم واحد , والسبب واضح ولا يحتاج الى تفسير ..فالجميع متورطون بعلاقاتهم الاقليمية ومتشبثون بعشق السلطة وبالولاءات الطائفية والقومية والمذهبية والعشائرية والعلاقات القبلية .
نسأل الحكومة والبرلمان ..لماذا طبلتم ودعوتم الى الانتخابات ما دمتم مسبقا غير واثقين بالناخبين ولا حتى بالفائزين , ولماذا كل هذا الصرف في الاعلانات والفضائيات واللقاءات والدعايات الترويجية لها وللمرشحين , لماذا كل هذا التعب والمجهود , ثم ان الانتخابات انتهت قبل اكثر من شهرين واعلن عن الفائزين , وشهدت لها الهيئات الاقليمية والدولية بما فيها مجلس الامن حيث اشادوا بتنظيمها وبنزاهتها , فلماذا تستمر اللقاءات والمباحثات والجولات .
ان ظاهرة التسقيطات وتشويه السمعة باتت السمة المميزة لادارة الدولة , فهناك الكثيرين ممن جرفهم التيار فاحتلوا المناصب يعتقدون بان السلطة وما تدره عليهم من مال وجاه هي حق مشروع دائم لهم !, فهم وبهذا المعنى لم يستفيدوا من تجربة ودروس الأنظمة السابقة والتي حكمت العراق مثل .. نظام نوري السعيد ونظام عبد الكريم قاسم ونظام عبد السلام عارف وآخرهم نظام صدام حسين , حيث كان هدفهم السلطة ومغرياتها فابتعدوا عن هدف تحقيق الديمقراطية , وهنا لابد وان اشير الى ان اهداف هيئة اجتثاث البعث والتي غيّر اسمها الى هيئة المسائلة والعدالة تتقاطع مع المنهج الديمقراطي الذي جئ به الى العراق , فالاجتثاث كلمة منبوذة اصلا وقد مارسها نظام صدام بقسوة ضد الشيوعيين وضد حزب الدعوة الشيعي وضد الأحزاب الكردية والأشورية وغيرهم وذلك لتسهيل مهمة الانفراد بالسلطة ....وانظروا ماذا كان مصيرهم ...ومصير الديمقراطية !
واخيرا اورد لكم ما دار في برنامج تلفزيوني لأنه ينطبق على الكثير من القائمين على ادارة شؤون العراقيين حاليا .....في برنامج فني على احدى الفضائيات لاختبار مواهب غنائية ...تقدم احد المشاركين فادى وصلة غنائية امام لجنة التحكيم ...وبعد ان انهى وصلته الغنائية النشاز ..قال له رئيس اللجنة بالعامية العراقية.....وليدي نقاوة صوتك ووضعك ما اعتقد راح يوصلوك للنجومية.....لو تشوفلك شغلة ترهملك اكثر من الغنا ....اسوق هذا المشهد واهمس في اذن كل من يعنيه الأمر للتأمل ليس الا !!! .