مفهوم الشخصية وصلتها بالعلاقات الاجتماعية:
يعد هذا الموضوع من المواضيع التي تخص المتخصصين في علم الاجتماع. الا ان قلة المقالات المنشورة حول هذا الموضوع وبالاخص في مجلتنا الغراء عليموثا وتحت شعار (شباب واع لمجتمع متمدن) أخذت على عاتقي ككاتب آكاديمي التطرق الى بعض الجوانب التي تخص موضوع الشخصية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع . اذ سوف يكون التركيز في هذه المقالة على دور الشباب في المجتمع بقصد توعية الشباب ونشر روح التضامن فيما بينهم لتمكين الشباب من النهوض بمكانتهم الكبيرة في المجتمع وخاصة الشباب العنكاوي لما تملكه مدينتنا العزيزة عنكاوا من طاقات شبابية كبيرة وان اعداد كبيرة من هؤلاء الشباب هم من الطبقة المتعلمة ولديهم قدر عالي من الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعهم اذ تعد سواعدهم البنان التي يعتمد عليها في بناء مستقبل بلدتهم العزيزة عنكاوا مستقبلا. فقبل التطرق الى اهم العوامل المؤثرة في شخصية الفرد وتأثيرها على أقامة العلاقات الاجتماعية لابد من أعطاء تعريف علمي دقيق لمفهومين اساسيين في المجتمع الا وهو مفهوم الشخص وتعريف الشخصية.
اذ جاء تعريف الفرد والشخصية في قاموس الانثروبولوجيا للدكتور شاكر مصطفى سليم من جامعة الكويت ,طبعة 1981 وفي صفحة 733 ما نصه: (شخص , فرد مكتمل الشخصية وذو مركز أجتماعي في جماعة أو أكثر في مجتمعه, وله حقوق, كما أن عليه واجبات, تحددها الأعراف والأنظمة المرعية. ويختلف معنى الشخص عن الفرد في الانثروبولوجيا من حيث عدم دلالة مصطلح الفرد على مفهوم الشخصية والمركز الاجتماعي.
في حين يعرف الشخصية: على انها مجموعة السمات النفسية الثابتة والمميزة للشخص ويشمل ذلك السمات التي ينفرد بها دون غيره من أفراد المجتمع, وتلك التي يشترك فيها معهم. وتهتم الأنثروبولوجيا أهتماما بالغا بدراسة الشخصية , وبخاصة من حيث علاقتها بالحضارة. ولقد اولى الأنثروبولوجيون الأميركيون دراسة الشخصية , من وجهة نظر الأنثروبولوجيا, عناية كبيرة, وكتبوا عنها العديد من الكتب). كما يولي الاوربيون الكثير من الاهتمام بالفرد ودراسة شخصية الفرد وهذا ما ألتمسته شخصيا بشكل واضح من خلال فترة أقامتي في مملكة السويد لمدة تزيد عن ثمانية سنوات ومن خلال مزاولتي مهنة التعليم في احد المدارس( الاعداديات) في العاصمة ستوكهولم ولمدة سنتين. اذ تعد مهمة أعداد الفرد في المجتمع من صلب اولويات الامور الاساسية للحكومات الاوروبية على عكس تماما من مجتمعاتنا العربية التي مازالت تنتابها الفقر الكبير في هذا الجانب. ان بناء الفرد وصقل شخصيته في المجتمع تحتاج الكثير من الجهد والعناية والمتابعة أذ تبدأ في المجتمعات الغربية وعلى سبيل الذكر مملكة السويد منذ دخول الطفل الى دور الحضانة منها تبدأ اللبنات الاساسية في بناء شخصية الطفل ويعامل كفرد اساسي في المجتمع له الحرية في اختيار الملبس والمأكل والاصدقاء ناهيك عن الرعاية الاجتماعية والصحية التي تكفلها الدولة لهذا الكائن الحي البسيط من خلال الكادر العلمي المتقدم الذي يشرف عليهم وهم في بداية تنشئتهم البدنية والاجتماعية معا وغالبية العاملين في هذا القطاع هم من خريجي الدراسات المهنية العليا المتخصصة في رعاية الطفل واعداده والشيء نفسه من قبل اللجان الصحية المشرفة. ان عملية بناء الفرد في المجتمعات الغربية تمر على هذه الوتيرة في مرحلة المراهقة اي في فترة المتوسطة والاعدادية من عمر الفرد لحين بلوغ عنصر الشخصية لدى الفرد في المجتمع اي الى حين بلوغ السنة الثامنة عشرة من عمره.
يمكن القول ان شخصية الفرد تبدو واضحة المعالم بعد بلوغ السنة الثامنة عشرة من عمره لكن بشرط ان تكون التنشئة الاجتماعية للفرد سليمة ومرت بظروف طبيعية مستقرة كالبيئة الاجتماعية في السويد على سبيل المثال بعيدة عن أجواء الاضطرابات والثورات الدموية والتزمت الديني والحروب التي مازالت تطحن الانسان وقيمه المادية والمعنوية في بعض دول الشرق الاوسط على سبيل المثال وما تخلفه هذه الاجواء المذكورة من تخلف اجتماعي ودمار اقتصادي في تلك البلدان وضحيتها النهائية عنصر الشباب وفي المقدمة .
في الحقيقة هناك عاملان يؤثران بشكل مباشر على شخصية الفرد (قوة الشخصية أو ضعف الشخصية لدى الفرد) في المجتمع وهذان العاملان هما : عامل التعليم والعامل الاقتصادي وبدورهما يحددان نمط العلاقات الاجتماعية السائدة بين الشباب في المجتمع.
سوف أتطرق بنوع من الايجاز الى كلا العاملان لتوضيح دور كل عامل في تحديد نمط العلاقات الاجتماعية بين الشباب في المجتمع. فمن ناحية التعليم ان التعليم السليم للفرد الى درجة يستطيع الفرد بلوغ مستويات علمية متقدمة تعطي للفرد قوة (لشخصيته) في المجتمع وفي حياته العامة. اي ان تسليح الشباب بالعلوم يساعدهم على مواجهة تحديات المستقبل وصعوبة الحياة لا بل ان التعليم يلعب دور كبير في صقل شخصية الفرد ولهذا السبب تعد الحكومة السويدية التعليم ألزاميا لحد الصف التاسع ومن يخالف هذا القانون يلاحق قانونين من قبل رجال القانون في الدولة.
فان تباين المستويات العلمية بين فئة الشباب من سنة 18 الى 35سنة يؤدي الى تباين في العلاقات الاجتماعية لا بل تؤدي الى تعقيدها وتحديدها ضمن مستويات علمية معينة أو قريبة منها, لا بل احيانا نرى انها تخلق تنظيمات اجتماعية في المجتمع الواحد وخاصة اذ كانت هناك نقلة في تطور الحركة الاجتماعية في المجتمع وما المراكز الاجتماعية والاندية التي نقراء عنواين البعض منها في مجتمعاتنا النامية لا هي خير دليل لما ذهبنا اليه وعلى سبيل المثال نذكرمنها الاندية الاجتماعية التي تخص الاكاديميين, الاطباء أو المعلمين او المهندسين وما شابه ذلك...الخ.
العامل الثاني الجانب الاقتصادي هو الاخر يلعب دور كبير في تحديد نمط العلاقات الاجتماعية في المجتمع . فالافراد يصنفون عادة في المجتمع بين ثلاثة فئات اقتصادية فقيرة, متوسطة, وغنية. أن الطبقة المتوسطة تلعب دور كبير في المجتمع , أذ يؤكد غالبية الباحثين في علم الاجتماع على ان الطبقة المتوسطة تعتبر النواة الحيوية في المجتمع لما تقوم به من دور كبير في تجهيز المجتمع بأعداد كبيرة من المثقفين, لا بل يذهب البعض على ان الثقافة في اي مجتمع تضرب من اساسها لو ضربت الطبقة الوسطى في المجتمع. فلكي لا نبتعد كثيرا عن الموضوع علينا الاشادة بالدور الكبير الذي يلعبه الجانب الاقتصادي في تحديد العلاقات الاجتماعية ونمطها في المجتمع. فعلى سبيل المثال يعزف الكثير من الشباب على اقامة علاقة اجتماعية(كالزواج مثلا) مع من هم اعلى من مستوياتهم المادية ومازالت هذه الظاهرة سائدة في الكثير من المجتمعات الشرقية الى يومنا هذا. ان خط الفقر في المجتمع يلعب دور كبير في تحديد العلاقات الاجتماعية بين الشباب وبكلا الجنسين(ذكور وأناث). فعلى سبيل المثال في حالة ضعف الامكانات المادية لدى الفرد فأنها تلعب دور سلبي اذ تضعف من شعور الفرد في التفكير بأقامت علاقات اجتماعية كالزواج وتكوين الاسرة مثلا. فهنا تبرز دور الدولة في خلق تكافؤ الفرص بين الشباب من خلال تشجيع الشباب في تكملت تعليمهم من جهة وخلق عدالة اجتماعية في المجتمع من جهة اخرى , من خلال ايجاد فرص العمل امام جميع الشباب باعتماد اسلوب الكفاءة في الاستخدام بعيدا ان الوسائط والمحسوبية والتي مازالت قائمة في مجتمعاتنا النامية وتشكل عائق كبير في كبح تطلعات الشباب نحو بناء مستقبلهم لا بل في احيان اخرى تؤدي الى تهميش الشباب والحد من قدراتهم وهذا ما يؤدي بدوره الى المزيد من التعقيدات في المجتمع من خلال الاخلاء بالعدالة الاجتماعية(تكافؤ فرص العمل,والعلاقات).
ان شخصية الفرد تبرز من خلال مساهمة الفرد في المجتمع من خلال ممارسة الانشطة الاجتماعية وبمختلف أشكالها سوى كانت ثقافية او رياضية لا وبل حتى السياسية. فهناك شخصيات معينة تبر في المجتمع لما تقدمه من الابداعات في الجانب الرياضي على سبيل المثال او الجانب الثقافي او السياسي. فعلى الشباب تسخير امكاناتهم وطاقاتهم كل حسب المجال الذي يستطيع ان يبدع ويتقدم فيه من اجل بناء مجتمع متمدن تسوده علاقات اجتماعية متينةوبقيادة شبابية واعية, لانه وكما ذكرنا سابقا ونرددها مرة اخرى يبقى الشباب هم عون المجتمع وساعده الذي ينتظرهم المستقبل في بناء اوطانهم.
سيروان شابي بهنان
كاتب وباحث آكاديمي
عضو الهيئة التنفيذية لأتحاد العالمي للادباء والكتاب الكلدان
اربيل – عنكاوا-العراق
200909-24