لماذا الغضب
على السينودس الكلداني
الدكتور عبدالله مرقس رابي بروفيسور في علم الاجتماع /الجامعة العربية لشمال أمريكا
أثارت احدى نتائج سينودس الاساقفة الكلدان الكاثوليك الذي عقد في 5-5-2009 في بلدة عينكاوة الكلدانية المتمثلة بالتوصية لتثبيت التسمية القومية الكلدانية زوبعة من الغضب والانفعال عند بعض الكتاب والتنظيمات السياسية الاشورية والمؤيدة لمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري في مقالاتهم وكتاباتهم الصحفية .
بينما كانت تلك النتيجة نفسها مقبولة وبشدة عند البعض الاخر مما يدل انها حققت أهدافهم واعترضت أهداف الفريق الغاضب .
ساحاول تحليل مدى أهمية هذه التوصية في ضوء بعض المعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تؤثر في المرحلة الراهنة في مجتمعنا الكلداني , ولكي لاأناقض نفسي فاني من الذين أرى ضرورة عدم تدخل رجال الدين في الامور السياسية للمجتمع بل هنا يستوجب تدخلهم ورفع توصياتهم للجهات التنفيذية لكي نتجاوز المحن والظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا الكلداني في العراق اليوم .ومن المبررات التي أراها مهمة لنجعل من توصياتهم عونا ودعما للاحزاب والتنظيمات السياسية الكلدانية مايأتي .
1- المرحلة أو الوضعية الاجتماعية والسياسية التي يمر بها المجتمع العراقي .
صحيح ان الاتجاه العام للمجتمع البشري هو الفصل بين الدين والدولة ,لكن الوضع السياسي الحرج في العراق يتجه نحو ربط الدين في الدولة باستثناء اقليم كوردستان .فالاحزاب الدينية المهيمنة على الحكم تتلقى تعليماتها وتستمد فلسفتها وبرامجها من الشرائع الدينية ,ولا تستطيع التحرك لاتخاذ المواقف العامة الا بالرجوع الى الزعيم الروحي للطائفة الدينية .
ليكن أيضا تدخل رجال الدين في مجتمعنا الكلداني مقبولا ولو مرحليافي ابداء آرائهم وتوصياتهم ببعض الظواهر السياسية لكي تساعدنا في التكيف للوضع الاجتماعي والسياسي العام,فعلينا أن ندرك اننا نعيش ضمن اطار اجتماعي شرقي لايزال يؤكد على دور الدين في الحياة السياسية .
ان مثل هذه التوجيهات ليست الزامية ذات سلطة سياسية وقانونية ,انما هي توصيات قدمها السينودس الى الجهات المختصة وصاحبة القرار .فالقرار يصدر بعد دراسة الموضوع من قبل برلمان كوردستان وحكومة الاقليم
وأعتقد ان البت فيه سيكون ايجابي لتثبيت التسمية لانها مطلوبة من قبل كل الاحزاب والتنظيمات الكلدانيةفي البلد.
2- هناك جدال عقيم بين الكلدان والاشوريين حول التسميةالقومية وهذا الجدل برأي ووفقا لمعطيات واسس علم الاجتماع لاينتهي يوما ما لسببين اساسيين هما :
اولا : ان ركائز التنشئة الاجتماعية الاسرية اساسية جدا وذات مفعول عميق كبير في تكوين الشخصية القومية فالتأثير الاسري على مواقف واتجاهات أبنائها الاجتماعية تتكون منذ الطفولة وتتحول الى الجزء اللاشعوري من الشخصية ,فهي مستحيلة الزوال من تفكيره الابسبب عوامل خارجية يتأثر بها الفرد لتحقيق مصالح خاصة تعبيرا عن غرائزه الطبيعية ,فالشخص الذي تتغلب عنده غريزة حب السلطة والظهور والشهرة والشعور بالنقص يحاول اللجوء الى جماعات أخرى لاشباع هذه الغرائز ,وكثيرا ما يلعب الاصدقاء دورا في هذه المسألة ,أوعدم اللامبالاة من الاسرة .لكن مهما يكن النكران لقوميتهم ففي دواخلهم كلدان وفي سلوكهم الظاهري هم اشوريون.
ثانيا : اصرار الجانب الاشوري على التسمية الاشورية والغاء التسمية الكلدانية والسريانية والتحجج أن الكلدان طائفة دينية وتسميتهم مصطنعة من قبل الفاتيكان .(اظن قد عالجنا ومع كتاب آخرين هذا الموضوع فلا حاجة للتكرار).انما أقول لو فرضنا جدلا ان التسمية الكلدانية مصطنعة من قبل الفاتيكان حوالي عام 1551 فالاشورية أيضا مصطنعة من قبل البروتستانت في مطلع القرن الحالي عندما بدأتبشيرهم بين القبائل النسطورية في المناطق الجبلية الوعرة .
بالمناسبة وقد اثار انتباهي ما جاء في كتيب بعنوان (تاريخ الاشوريين منذ بداية القرن العشرين )لأحد الاورميين (كورش يعقوب شليمون )وترجمة(وليم ميخائيل)في شيكاغو 1995 ولم يذكر المترجم ماهية اللغة التي ترجم الكتيب منها .وهوعبارة عن توثيق أحداث عاشها المؤلف نفسه .ففي فقرة – ماهو اسم قوميتنا يذكر مايأتي
في فترة الحرب العالمية الاولى اتى الى اورمي بعض اخواننا الاشوريين من ايروان أحدهم كان معروفا ومثقفا عرف باسم الدكتور فريدون اتوريا ,أنا أذكر بدقة هذا الدكتور مع الاستاذ بنيامين ارسانس وزملاء لهم بدأوا بتداول وشرح الاسم الاشوري لاول مرة ففي البداية بدأ غريبا والكثير لم يقبلوا الاسم برحابة .وبمرور الوقت بدأ الاسم بالانتشار الى يومنا هذا )ص13 انتهى الاقتباس.
الا تعتبر هذه شهادة صريحة من رجل مثقف خريج الدراسة الاعدادية منذ عام 1914 وخدم ضابطا في الجيش المسمى(فرقة أورمي)سنة 1918 على أن التسمية الاشورية مصطنعة حديثا من قبل المبشرين البروتستانت .
وهذا ما تدعمه نتائج استفساراتي عن التسمية من رجال كبار السن كلدان وتيارايي واكراد جميعهم أكدوا لي ان التسمية الاشورية لم تكن معروفة لحد السنوات الاخيرة .اذعرفوا عند الاكراد (تياري)واطلقوا عليهم الكلدان (تيارايي)وهي محرفة من كلمة طورايي وأما المسنين من الاشوريين المعاصرين أكدوا ان أجدادنا عرفوا في الماضي القريب حسب مناطقهم الجغرافية أو التسمية القبلية مثل تيارايي,اشتنايي,بزنايي،اورمجنايي..الخ .
يتبين وجود فرق زمني أكثر من 500 سنة بين التسميتين بحيث أصبح المفهوم القومي الكلداني أكثر ترسخا وعمقا في ذهنية الكلداني من الاشوري الذي لايزال بعضهم لايتدارك هذه التسمية بل يتخبط بين الانتماء الجغرافي والديني والقومي .وهذ واضح من التغيرات التي حصلت في تسمية كنيستهم من الكنيسة النسطورية الشرقية الى الكنيسة الاثورية وثم الكنيسة الشرقية الاشورية وشطرها الثاني الكنيسة الشرقية القديمة والله أعلم قد تتغير في المستقبل الى الكنيسة النسطورية الكلدانية لان مركزها الرئيسي كان في بلاد بابل وليس في قوجانس,وهكذا ايضا بالنسبة الى تسميات الجمعيات والنوادي الاجتماعية والاحزاب السياسية لهم.
3- يعد هذا التدخل مهم جدا لتجاوز التسمية المصطنعة حديثا التي خالفت كل القوانين الطبيعية والاجتماعية والسياسية تلك التسمية التي أقرها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ذلك المجلس الذي تصور العديد انه عبارة عن اتحاد بين التنظيمات السياسية والاجتماعية للاقوام المذكورة لكي يحقق بحسب لائحة التنظيم الداخلي له وحدة الخطاب السياسي .لكن بعدئذ تبين ان الهدف الاساسي له هو استحداث تسمية موحدة بحسب مذكرتهم المقدمة الى لجنة صياغة الدستور في المجلس الوطني الكوردستاني حول التسمية الموحدة لشعبنا .
وفي الحقيقة ان ماجاء في تلك الفقرة مخالف للواقع فالاحزاب السياسية لم تتوحد ولكل من هذه الاقوام اعتزاز وانتماء وارتباط بتسمية قوميته .فالمطلوب هو اتحادهم في الكلمة لا لالغاء الاخر أواختلاق تسمية قومية جديدة تثير مشاعر الناس .فالقومية لاتمنح أو تقر بقانون دستوري أواتفاق أشخاص معينين ,انما القومية شعور فردي في الانتماء الى جماعة بشرية ,وهذا الشعور ناتج عن التنشئة الاجتماعية الت تلقاها ضمن اطاره العائلي والمجتمعي ,والقومية موجودة قبل ولادة الفرد فهو لايرى نفسه بتأثير عمليات النمو البايولوجي والنفسي والاجتماعي الا محاطا بمجموعة كبيرة من القيم والعادات والسلوكيات واللغة .فالقومية لا يصطنعها الانسان ,انما هي التي تكون شخصية الانسان عبر القنوات العائلية المجتمعية عن طريق ما يسميه علماء الاجتماع (التمركز السلالي).
يذكرنا هذا الموضوع بما أمر به صدام حسين في بداية الثمانينات من القرن الماضي في اعادة كتابة التاريخ من قبل نخبة من الاساتذة الجامعيين الذين ادلجت افكارهم وفقا لفلسفة الحزب الحاكم ,فمن الامور التي جاءت في سياق كتاباتهم للموسوعة التاريخية عن العراق القديم ورود عبارة(الكلدان العرب)و(الاشوريون العرب)و(الاموريون العرب)...الخ.فالتسمية المركبة هي عبارة عن الغاء الشخصية القومية لشعب ما,وليس عدم الرضى بالتسمية المركبة يعني تمزيق الشعب كما يظن البعض ,بل بالعكس ان التسمية المركبة هي التي تؤدي الى ضياع شخصية الفرد في الانتماء وتظهر الازدواجية الشخصية في تصرفه الاجتماعي والسياسي والثقافي.
4- لماذا عندما يتدخل رجل الدين أويصرح بمواضيع لصالح الاشوريين أو المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الكل بارك الله في ذلك الاسقف او الكاهن بينما الان تدخل اساقفة الكلدان لدعم التنظيمات الكلدانية سلوك غيرمقبول،فعندما نطق البطريرك روفائيل بيداويذ يوما ما وبشكل غير رسمي ان جدي كان نسطوريا أصبحت حجة للاشوريين بان الكلدان طائفة كأنما اصبح كلامه قانونا منزلا .والا يعتبر ما جاء به الاسقف النسطوري عمانوئيل يوسف في كندا عندما أهدى كتابه آشوريون أم كلدان الى الحكومة العراقية مثبتا فيه لاوجود لقومية كلدانية واوصى ان كل ما جاء في كتابه هو الحقيقة !
الخلاصة
اني أرى كمختص في علم الاجتماع ولمدة 29 عاما واكاديمي لمدة 25 سنة ومؤلفا لعدة كتب وعشرات الابحاث لا يمكن حل معضلة التسمية القومية ابدا طالما ان القومية ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون سياسية موجودة قبل ولادة الفرد ولا يمكن منحها قانونيا وان التشبث في التاريخ هدر للوقت .فعليه دراسة الواقع الاجتماعي أولا وترك الحرية للفرد للتعبير عن مشاعره القومية ,ولكي نتحدى المصاعب ونوحد كلمتنا (كلدان واشوريون وسريان)في الاتحاد في جبهة سياسية للتمثيل رسميا في المناسبات السياسية وغيرها دون الغاء الاخر بل الاحترام المتبادل وتوزيع المهام بشكل دوري.