النقاب والخراب بين العراق والغرب
ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل
بداية لا شك بان العراق دولة عربية وليس غربية , دولة لا أمان فيها ولا قانون ينظمها, دولة انتشر في دوائرها الفساد المالي والتمييز الطائفي والحزبي والفئوي , دولة معتمة تعم فيها جرائم قتل بشعة تتصفت بالهمجية والوحشية وممارسات واعتداءات ضد الانسانية, دولة فيها من الخطابات السياسية والفتاوى الدينية ما يكفي لاشعال الكراهية والأحقاد والثارات الى ابد الأبدين , باختصار دولة بدون حكومة قادرة على ايقاف الجريمة والفساد والتي تقوم بتنفيذها جماعات وعصابات وحتى افراد خارجة عن القانون , قسم من هذه الزمر دخل العراق من خارج الحدود والقسم الأخر من داخله, نؤكد بان دين الاسلام الحنيف وقرآنه الكريم , والأديان السماوية الأخرى وكتبها المقدسة بريئة من كل انسان يلحق اذى باخيه الانسان , ان الجرائم الوحشية والبشعة والتي تقع في العراق اليوم استهجنها العراقيون المسيحيون والمسلمون وغيرهم ...فاين كفاءتكم وعملكم يا نوابنا الأشاوس , ماذا قدمتم لاعادة بناء مؤسسات دولة العراق العربية وماذا اعددتم من خطط لايقاف نزيف دم العراقيين الأبرياء , والى متى ستبقى ارواح العراقيين من النساء والرجال والأطفال ودور عباداتهم تتحكم في مصيرها رصاصات الميليشيات وقنابل العصابات الارهابية !
سؤالنا ..ماذا يعني الخطاب الذي جاء على لسان نائبة عراقية مسلمة تنتقد فيه دول الغرب المسيحي التي لجأت مؤخرا لتطبيق قوانين صارمة ضد الذين يغطين وجوههن بالنقاب , حيث اعتبرته النائبة اجراءا تعسفيا موجها ضد المرأة المسلمة والاسلام تحديدا .
ففي العراق بعد 2003 لم نشاهد في جلسات البرلمان العراقي امرأة واحدة ترتدي النقاب , بل شاهدنا بعض المسلمات وقد اكتفوا بلف اجسامهم بعباءة سوداء واخريات غطوا رؤوسهم بحجاب بسيط , لكن الأثنين ابقوا وجوههم مكشوفة حيث يستطيع من يحدثهم التعرف على جنسهم دون اي شكوك, وللحقيقة نقول بان بعض من نائباتنا المسلمات وقفن مواقف وطنية شهد لها العراقيون , فمنها من طالب بوحدة اراضي العراق وبخروج المحتل واعادة بناء مؤسسات دولة العراق على اساس الكفاءة والوطنية, كما نشهد لهن بانهم طالبوا باطلاق سراح الأبرياء في السجون والمعتقلات العراقية , لكن الذي فاجئنا هو موقف احداهن من قضية تتعلق بقوانين وانظمة دول غربية , فما علاقة نائبة عراقية بالقانون الايراني او الفرنسي او الاسباني او الصيني او الهندي او السعودي , وما الذي يجعل نائباتنا ان يهاجمن دولا غربية ويتدخلن في قوانينها وانظمتها وخاصة تلك القوانين التي تتعلق بشؤون امنها وسلامة مواطنيها , فكلنا يعرف ما هو الغرب وما هي مشاكله الاجتماعية والاخلاقية فما دخلنا نحن فيها , اليس الأجدر بنا ان نبحث في سلبيات دساتيرنا وقوانين وانظمة بلادنا والعمل على تعديلها بما يحقق العدالة ويحمي مصالح وحقوق شعبنا في العيش الآمن !
لقد اعتقدت احدى نائباتنا من ...
{..ان المرأة المسلمة تتعرض الى حملة شرسة في محاولة لسلبها حقوقها وحريتها الشخصية في التمسك بأحكام الدين الإسلامي ، وقالت بان الغرب يضع إجراءات صارمة ومشددة ضد الحجاب والنقاب وذلك لاستهداف الإسلام و بالأخص المرأة المسلمة }
نقول ..هذا اعتقاد خاطئ ومجحف ....وقد تكون النائبة المسلمة غير مطلعة بشكل كاف على احوال المرأة العراقية وما اصابها من سلب لحقوقها وتدني في مستواها المعاشي والتعليمي والصحي والعائلي , وما تتعرض له من ظروف معاشية قاسية وظلم وارهاب واضطهاد وسوء تغذية وامية , كنت اتمنى لو اطلعت السيدة النائبة على التقارير المحلية والدولية التي تبثها الفضائيات عن المرأة في العراق سواء كانت مسيحية او مسلمة او غيرهما, فهناك المئات من النساء المسيحيات قتلوا وشردوا وتركوا دون مأوى بسبب خطف او اغتصاب او قتل ابناءهم وبناتهم وازواجهم , حتى رجال دينهم المسالمون ذبحوا وحرقت كنائسهم , اما المرأة اليزيدية والصابئية والشبكية فنالها ايضا من الظلم والحرمان والأحزان ما لا يقال , بمعنى ان الظلم والحرمان والقساوة في العراق شمل جميع نساء واطفال العراق , ففي المحافظات الجنوبية والوسطى عرضت احدى الفضائيات مجموعة من النساء وجميعهم عاطلات عن العمل وهم يبحثن في الشوارع عن أكوام القمامة ليجمعن منها بعض المخلفات الصناعية والتي يمكن بيعها من اجل شراء قوت لايتامها , شاهدنا ايضا في مدينة الصدر ومدينة الكمالية وحي الحسين وحي الشعب والصليخ والعبيدي في بغداد نسوة كبار السن وشابات فقدوا ابناءهم وازواجهم واقاربهم في عمليات خطف وقتل او اعتقال ..شاهدناهم والأسى والحزن يملئ قلوبهم وهم يناشدون المسؤولين ...لا نريد منكم شيئا ...نريد ابناءنا ...لماذا هذا الظلم ...اين ابناءنا ..ولم نسمع منهم ما يشير الى ارتداء النقاب ...الا يستحق هذا الحال اهتمام نائباتنا....!
يقينا وبديهيا ....ان في دول الغرب المسيحي لا وجود لنساء مسلمات ولا حتى غير مسلمات يبحثن في الشوارع عن الغذاء .. وليس هناك من تبحث عن ابنها المختطف , او زوجها المقتول, فالدولة الغربية قد غادرت انظمة العنف منذ زمن وهي اليوم تسعى لتقديم افضل الخدمات التعليمية والصحية والمعاشية والأمنية لمواطنيها وبالمجان !
السؤال العجيب ...لماذا تتدخل نائبة في البرلمان العراقي في شؤون وقوانين وانظمة دول اخرى , ولا تحرك ساكنا لحل مشاكل بلدها مع جيرانه و رفع الظلم والأمية عن زميلاتها العراقيات .
اعتقد كان يجب على النائبة ان تتحدث عن مزايا دول الغرب التي تستقبل اللاجئين والمهاجرين وان تبحث في تجربتهم الديمقراطية , وكان يجب ان تثير ما يقدمونه الى المسلمون وغير المسلمون من الرجال او النساء والأطفال من مساعدة واحترام وخدمات حيث يحصلون على حقوقهم كاملة اسوة باقرانهم من سكان البلد الأصليين مجانا , فلماذا فضلت النائبة التشكيك في انظمة حكم الغرب ودستورها , وما هو الدافع لاثارة هذا الموضوع والذي وبلا شك لا يقدمها كنائبة عراقية متحظرة وديمقراطية , بل سيظهرها على انها داعية لاثارة النزاعات واشاعة الكراهية والاحقاد , ان طرحها لا يخدم التعايش الانساني اطلاقا , ولست هنا للدفاع عن بلاد الغرب المسيحي لأننا على علم تام بان شعوب الغرب المسيحي كانوا اتعس من حالنا لكنهم فضلوا التحرر من الانظمة الدكتاتورية والقبلية والطائفية واصبحوا يؤمنون بان لهم رسالة انسانية تلتزم باحترام كل الأجناس البشرية دون تمييز , كما انهم تثقفوا منذ الطفولة على اهمية الالتزام باحترام القانون الذي يسري على الجميع وتطبيقه بكل دقة وشفافية...اوليس غالبية قياداتنا في عراق اليوم كانوا لاجئين في دول الغرب ...!
نذكّر فقط ..ان المرأة الغربية وبسبب نشاطها وفعاليتها وكفاءتها وفي ظل حكوماتها الديمقراطية , فانها استطاعت ان تتبوء اعلى المناصب الادارية والسياسية في بلدانها وانها تمكنت من سن قوانين رصينة ضمنت من خلالها حقوقها , الا ترى النائبة العراقية بان هناك فرق كبير بين ثقافة المرأة الغربية والعربية, اليس الدفاع عن حقوق المرأة يجب ان يبدأ من داخل الوطن .
لقد اتاح الغرب الفرصة لنائباتنا العراقيات المحجبات او من يرتدين العباءة السوداء او حتى غيرهم من السافرات , ان يتمتعن بمزايا السلطة وكرسي البرلمان , حيث لم يكن بامكانهن في زمن النظام السابق ان يحصلن على مكاسب كالتي حصلوا عليها اليوم , وهل كان بامكانهم الظهور علانية على شاشات الفضائيات ويتحدثن بكل حرية ودون اي أمر اعتقال او ملاحقة اننا ندعوا كافة النائبات المسلمات وغير المسلمات ان يحافظوا على هذه الانجازات وان يوظفوا جهودهم من اجل نساء واطفال ويتامى وارامل العراق .
فقبل ان تذهبن ايتها النائبات لتعديل او لنقد قوانين الدول الغربية , خاطبوا حكومتكم المؤقرة ان تلاحق القتلة والمشعوذين وفتاحي الفال الذين يضحكن على النساء الأبرياء ويجبروهن على الممارسات الغير اخلاقية, قدموا المساعدة لروضات الأطفال ولدور الايتام ورعاية المسنين , ساهموا مع المنظمات الانسانية الدولية على اطلاق سراح الابرياء من النساء والرجال والاطفال في المعتقلات والسجون , قدموا مشاريع لتأمين حماية المرأة المسلمة وغير المسلمة العربية والكردية والتركمانية واليزيدية والشبكية والصابئية والأشورية والكلدانية والسريانية والأرمنية , طالبوا علنا الحكومة ان تحميهم من القتل والتشريد وان توفر لهم فرص العمل والمساوات والحرية والحياة ...هذه هي مهمات النائب البرلماني في العراق .
ونؤكد لكل النائبات المسلمات وغير المسلمات من ان غالبية العراقيين مؤمنون وليسوا ضد أحد , فالعراقيون الشرفاء يحترمون الدين والمتدينون جل احترام , وما التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليزيدية والصابئية والشبكية الا رمزا للسلام في بلاد ما بين النهرين العراق , ولكننا ولأننا نرى نسائنا وبناتنا وشبابنا ورجالنا وشعبنا بكل انتماءاته يقتلون ويهجرون امام انظاركم , لهذا نطالبكم بالوقوف مع المرأة العراقية قبل غيرها .
ان واجبكم ان تتوجهوا الى مراجعكم في البرلمان والحكومة , طالبوهم للاهتمام بمناهج بناء الطفل العراقي والتي من شئنها خلق جيل واع وعلمي متحظر وديمقراطي , طالبوهم بتوفير الأمن والخدمات الصحية والترفيهية والثقافية للمواطنين , ابحثوا في بنود دستور وقوانين بلدكم التي لها علاقة مباشرة بحقوق الانسان وخاصة المرأة ...هذه هي اختصاصاتكم ان كنتم تحبون شعبكم .
نصيحتنا لمن يهمه امر بناتنا واخواتنا وامهاتنا المسلمات الملتزمات والرافضات لقوانين الدول الغربية التي تمنع المسلمات من ارتداء النقاب والحجاب , ان يغادرن الدول الغربية الفاسدة والغير عادلة والتي لا تسمح للمرأة المسلمة بارتداء النقاب والحجاب, وعليهم طلب اللجوء الى البلدان العربية والاسلامية التي تحترم المرأة وتقدسها ...فايران والعراق والسعودية وافغانستان وباكستان والسودان والصومال وغيرها , دول عربية واسلامية ديمقراطية حيث الحرية والعدالة متاحة للجميع وباوسع ابوابها ...
حزيران 2010