حول بعض ما يجري في عنكاوا
سمير خوراني
-1-
الابراج الاربعة وما أدراك ما الابراج الاربعة؟
لا أدري ما هو السر العظيم جدا الذي ينطوي عليه مشروع هذه الابراج، والذي من اجله لا تتنازل حكومة الاقليم لإرادة اهالي عنكاوا رغم كم الاعتراضات عليه من مختلف القطاعات الشعبية والكنسية ومنظمات المجتمع المدني والنخب المثقفة وكذلك السياسية؟! ألهذه الدرجة تمتلك الشركة القائمة على هذه الابراج السطوة والهيمنة والنفوذ بحيث لا يستطيع أحد الوقوف بوجهها؟ ثم ألا يمكن ايجاد حل وسط لهذه المشكلة العويصة ترضي الاطراف المتصارعة جميعاً؟ هل استنفدت كل الحلول؟ ألا يمكن مثلا نقل المشروع الى مكان آخر غير بعيد عن عنكاوا؟ لماذا تصر الشركة كل هذا الاصرار على انجاز المشروع رغم أنف المعارضين؟ ويزداد استغرابنا وتعقد الدهشة ألسنتنا إذا ما علمنا ان مالكي الشركة(آشور بان) هم مسيحيون! أهكذا يكون المسيحي؟ ومع من؟ مع أخوته من المسيحيين؟ يبدو أنه مسيحي من نوع آخر. ما الذي يجري بالضبط؟ ما هو سر الاسرار، ولماذا هذا الاصرار؟
هل تعاني عنكاوا من ازمة سكن وجاء هذا المشروع ليقضي على هذه الازمة، ام أن معظم ساكني عنكاوا يملكون اكثر من دار سكنية؟ والدليل على ذلك هذا الكم الهائل من الشركات والمكاتب التجارية الاجنبية والمحلية التي تتخذ من عنكاوا ودورها السكنية محلاً للإقامة والسكنى
ثمة سؤال يلوح في الافق: ماذا لوكان هذا المشروع في اربيل او احدى ضواحيها واعترض عليه الأهالي من المسلمين لسبب ما، هل كانت الشركة ستصر على إقامته رغم الاعتراضات كاصرارها عليه في عنكاوا؟!
سيقول قائل: إن الاجراءات القانونية للمشروع صحيحة وسليمة ولا تشوبها شائبة، وأن الشركة قد دفعت أموالاً (طائلة) في هذا المشروع وليست مستعدة للخسارة. أقول: لو افترضنا جدلا ان ذلك صحيح، فهذا لا يعفي الشركة وحكومة الاقليم من التزاماتها الاخلاقية تجاه ارادة الناس والاهالي والمطالبات الشعبية بايقافه رغم كل شيء. لأن ارادة الشعب ومصالحه اهم حتى من الاجراءات القانونية والمنافع الاقتصادية لفلان او علان. وهذا ما يحدث حتى في الدول الديمقراطية المتقدمة. فبامكان الضغط الشعبي والرأي العام ان يوقف اي مشروع لا يراه مناسباً. وهكذا تحترم تلك الدول(التي لا نجاريها طبعا في ديمقراطيتها وعدالتها) ارادة شعوبها ولا تقف بالضد منها. فلماذا تقف حكومتنا ضد ارادة شعب عنكاوا، مع أنها -على حد علمي المتواضع- منعت الكثير من الأمور في اربيل لاعتراض رجال الدين الاسلامي عليها؛ لأنها تتعارض مع مبادىء الاسلام وطبيعة الشعب الكردي المسلم وتقاليده كما يقولون. ألا ينوي البرلمان إعادة صياغة قانون العمل الصحفي كي يتواءم مع ارادة رجال الدين وتقاليد المجتمع الاسلامي؟! سؤال لا بد من الاجابة عليه.
قد لا يكون مناسبا ان أتدخل فيما لا يعنيني، او فيما لا أفهم فيه فأكون مع هذا الطرف ضد هذا الطرف. ولكني بصفتي مثقفاً( وانا اعرف المعنى الحقيقي لكلمة مثقف) يجب، نعم يجب ان أقف في صف الناس والجماهير رغم كل شيء، فليس من المعقول ان تكون كل هذه القطاعات الواسعة من الناس مخطئة، وليس من المعقول ان الجميع لا يفهمون، ثم إن الناس لا تطالب بشيء كبير يعجز عن تحقيقه، ولكن يبدو أن القضية اكبر من الابراج الاربعة.
-2-
توجد مظاهرة... لا توجد مظاهرة!
التظاهر(السلمي طبعاً) مظهر من مظاهر الديمقراطية، وعنصر أساسي في منظومتها الواسعة، وحالة طبيعية وصحية في المجتمعات الديمقراطية وشبه الديمقراطية، أو حتى في المجتمعات التي تؤمن بهامش ولو صغير من الديمقراطية. وعدم السماح بالتظاهر يقوِّض تماماً كل ادّعاءات الديمقراطية ويكشف زيف الاقوال والتصريحات البهلوانية.
التظاهر(السلمي طبعاً) نوع من الحراك الشعبي ضد بعض اجراءات الحكومة او بعض حلقاتها الادارية، تهدف من خلاله الشرائح الاجتماعية المتظاهرة التعبير عن رأيها تجاه ما يحصل في البلد من توجهات واجراءات، وايصال صوتها الى السلطات موافقة أو رفضاً. وذلك حين تستعصي على الجماهير الوسائل الاخرى المتاحة للتعبير عن توجهاتها وطموحاتها، فتضيق بها السبل والحيل فتلجأ الى الحل الاخير. لا يكفي القول ان الجماهير لها من يمثلها في البرلمان يوصل اصواتها الى السلطة، ففي كثير من الاحيان لا يقوم من يعتبر نفسه ممثلاً للشعب بأداء دوره اللازم تجاه من انتخبوه وأنابوه عنهم لأي سبب كان. وهذا يحدث حتى في أرقى الدول الديمقراطية، والاّ ما كنا نشاهد تظاهرات فيها.
الشارع ملك الجماهير، وجدارها الحر، ومن حقها ان تعبر عما يعتمل في صدرها من افكار ومطاليب شرعية ام غير شرعية، منطقية ام غير منطقية. اما منع الناس من التظاهر فهو غير الطبيعي وغير الشرعي.
لا ادري كيف سمحت سلطات الاقليم-ممثلة بادارة الناحية- لنفسها منع الناس من التظاهر؟ إن هذا بحد ذاته يضر كثيرا بتجربة الاقليم التي تطمح ان تكون ديمقراطية، وتشوّه من الصورة الجميلة التي يحاول الاقليم رسمها وبثها للعالم المتحضر.
لماذا تخشى سلطات المحافظة والاقليم من تظاهر اهالي عنكاوا ضد قضية تتعلق بالخدمات( وليست سياسية)؟! ففي الأقل إن الطبيعة المسالمة والمتحضرة للمسيحيين كانت كفيلة بان تخرج التظاهرة الى بر الامان وتجعلها تظاهرة سلمية متحضرة بامتياز. هل خشيت السلطات في الاقليم من ان تفتح التظاهرة- في حال لو حدثت- الباب على مصراعيه أمام مطاليب أخرى وبالتالي تظاهرات أخرى، أم خشيت من أن يرى العالم تظاهرات المسيحيين(والتي حتما ستكون سلمية ومتحضرة) ويقارنها بتظاهرات اخرى جرت مؤخراً حملت فيها السيوف والحجارة والسكاكين والخناجر وعمل فيها الحرق والتخريب والضرب والاعتداء على الشرطة والصحفيين وعلى حرمة البرلمان(ممثل الشعب) والممتلكات العامة وعلى مصالح الناس وموارد رزقهم؟!
قطعاً إن تظاهرة عنكاوا ما كانت لتكون كغزوتي زاخو واربيل الاخيرة، اللتين أرجعتانا الى القرون الوسطى، حيث التخريب والحرق والتدمير والاعتداء على الناس ومصالحهم. ولولا ان الله ستر لكانت الامور تنذر بالإبادة. لاأتكلم عن طبيعة تلك التظاهرة العنكاوية وتفاصيلها وتوقيتها وهل كانت ستكون ناجحة ام غير ناجحة، وهل ان أؤيد ذلك ام لا أـؤيد؟ ليس هذا هو الموضوع. أنا اتكلم عن مبدأ التظاهر كحق مكفول في الدساتير والقوانين.
ما معنى ألا يعطي مدير الناحية الاجازة لقيام التظاهرة ويضع شروطا غير مفهومة لعرقلة قيامها؟ ولماذا محاولة شق صفوف القائمين على التظاهرة وتشتيتهم بغية افشال التظاهرة؟ إذا كانت الحجة ان هناك اجراءات قانونية واصلاحية في الطريق لحل كل المشاكل فلا اعتقد أن قيام التظاهرة كان سيضر بهذه الاجراءات والاصلاحات، بل إن التظاهرة كانت ستؤكد المطاليب المشروعة، وتقوي من مسيرة الاصلاحات. فإذا كانت السلطة تريد الاصلاح فإن الناس تريد الاصلاح اكثر لأنه يمس حياتها على نحو مباشر، والتظاهر وسيلة من وسائل الضغط على الحكومة كي تقوم بالاصلاح. وأية حكومة في العالم غير مستعدة للقيام بالاصلاح ما لم تدفعها الجماهير الى ذلك، اذا فالجماهير هي صاحبة المبادرة الحقيقية بالاصلاح من خلال انتقادها أداء الحكومة. ثم هناك مفارقة غريبة: وهي ان الناس أصلاً تخرج للتعبير عن سخطها وعدم رضاها سواء من الادارات المحلية أم من السلطات الحكومية، وبالتالي ان هذه السلطات هي الخصم والحَكَم في المسألة، فكيف يعقل ان تتوسل الجماهير الاجازة من الخصم، وكيف سيعطي الخصم إجازة لمن يريد التعرض اليه؟ سؤال بسيط: هل يتظاهر الناس في اوروبا والدول الديمقراطية المتحضرة بعد اخذهم الاجازة من السلطات؟ أم انهم يبلِّغون هذه السلطات فقط بنيتهم القيام بالتظاهر كي تقوم تلك السلطات بواجباتها في حماية المتظاهرين، ومنع محاولات اختراقها من قبل العابثين، وتحريف مسارها؟!
إن اجهاض التظاهرة لم يكن ولن يكون ابداً لصالح السلطات المحلية في عنكاوا والاقليم كذلك، لأن ذلك يبرز وجهها غير الديمقراطي الذي تود ان تظهر به وتتظاهر به امام العالم، وخصوصا بعد تصاعد حالة النقمة الجماهيرية-على مستوى الاقليم- نتيجة الشعور بالاحباط من الوعود بالاصلاح والقضاء على حالة الفساد المستشري في مفاصل الحكومة. وإذا ظنت تلك السلطات انها حققت انتصاراً عظيماً. فأني أقول: إن الانتصار لايكون على الجماهير وخاصة الجماهير المسالمة. الانتصار يكون على الاعداء الذين يحاولون تخريب البلد وتقويض أمنه والاعتداء على حدوده ومصالحه الوطنية والقومية والاقتصادية. ألا يمكن ان يكون المردود عكسياً، وبالتالي يزداد سخط الجماهير وتزداد النقمة وحالة الاحتقان الشعبي؟ وهل بعد منع المتظاهرين وتكميم الافواه واسكات الصحفيين يمكن أن ندّعي وجود الديمقراطية؟!
-3-
التغيير الديموغرافي... هل هو موجود فعلاً؟
مأساة المسيحيين ليست واحدة، كما انها ليست في مكان واحد. فحيثما يتواجد المسيحي في الشرق فثمة المشاكل الكثيرة التي تجابهه بدءا باللغة مرورا بالقومية وانتهاء بالدين وكل ذلك يعني المعاناة والمضايقات في الدوائر واماكن العمل والشارع والسوق ووسائل النقل والمدارس والجامعات والفضائيات والخطب واحاديث التلفاز والاذاعة والصحافة والى ما ذلك. من بين المشاكل التي تهدد المسيحيين بالانقراض في اوطانهم الاصلية مشكلة التغيير الديموغرافي. فيوما بعد يوم تتناقص الرقعة الجغرافية لتواجد المسيحيين وتهتز الارض من تحت اقدامهم وتتحرك نحو الاتجاه الاخر فيستيقظون وقد تقلصت المساحات التي كانوا يسكنونها، والحبل على الجرار. قد يقول قائل أن هذا الكلام مبالغ فيه وهو محض افتراء. يمكن ان يكون الامر كذلك، ولكنه شعور الناس من بسيطهم الى اكثرهم وعياً، وشعور الناس اذا ما كان جماعيا لا يكذب. هل ما نسمعه من الناس في دهوك وضواحيها وقراها وبلداتها عن التجاوز على اراضيهم هو كذب؟ هل ما يقوله أهالي شقلاوا من المسيحيين عن قضية مضايقتهم ومنعهم من البناء حتى لأغراض السكن مجرد كذبة؟ هل ما يجري في عنكاوا من التجاوز على الاراضي وطمس خصوصية المدينة الكلدانية المسيحية وتحويلها الى مكان كبير للهو غير البريء بكافة أشكاله ايضا مجرد ادعاء باطل؟ يقيناً لا. اذا فثمة شعور جماعي بالتغيير الديموغرافي ينتاب المسيحيين أينما وجدوا. من الجيد ان نكون واعين بهذه المشكلة، بدلا من ان تكون المشكلة قائمة و(احنا نايمين ورجلينا بالشمس) كما يقول المثل العراقي. ولكن كي لا يكون ما نقوله مجرد كلام انشائي او عاطفي يجب ان يتحول وعينا بالمشكلة الى عمل، وعمل مؤسساتي كي تكون مطاليبنا منطقية وقانونية اكثر. وهذا يعني قيام قانونيين وجغرافيين متخصصين بالتغيير الديموغرافي باعداد ملفات القضايا وتقديمها للعدالة مستندين في ذلك الى الدستور العراقي الدائم ولاسيما في المادة23/ ثالثاً/ ب التي تقول بالحرف الواحد: يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني. مالم نتحرك وبسرعة بهذا المستوى المؤسساتي ستقضم خرائطنا يوما بعد يوم، وسيأتي يوم نجد فيه انفسنا خارج الديار، وسنكون مشتتين في بقاع الارض نبكي على الاطلال.
مشكلة عنكاوا-لأن الحديث هو عنها تحديداً- ليست في الابراج الاربعة التي أخذت حيزاً أوسع مما تستحق وسببت جدلاً ولغطاً كثيراً، فالابراج الاربعة جزء من المشكلة الاكبر وهي التغيير الديموغرافي الذي حصل مذ كان السيد سركيس أغاجان نائبا لرئيس الوزراء والمسؤول الاول عن الاراضي التي وزعت بشكل برمكي وبكرم حاتمي (لكل من بايع في الصباح والمساء وأعطى الولاء وعرف نائب رئيس الوزراء او كان من الاقرباء والاصدقاء) عدا عن اطفاء مئات الدونمات من الاراضي الزراعية والتعويضات عنها والمساطحات القانونية وغير القانونية وغير ذلك من مشاكل الاراضي التي لا أفهم فيها وفي ملابساتها كثيراً . هذا التلاعب بالاراضي أدى الى ارتفاع اسعارها بشكل جنوني وبالتالي زادت حمى البيع والشراء وحاول كل من هب ودب ان يحصل على قطعة ارض او اكبر عدد منها للاستفادة من اموالها وهنا تدخل اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة من غير اهالي عنكاوا او من غير المسيحيين بغية اقتناء المشاريع والمزايدات والمناقصات باسماء المسيحيين للتحايل على القانون فتشوهت المدينة وفقدت خصوصيتها الجغرافية والقومية والاجتماعية واللغوية واصبحت مدينة بلا هوية. وتحولت من حي سكني هاديء في الضاحية الشمالية الغربية من اربيل الى مجمع كبير للمحلات للشركات والمكاتب التجارية والمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية والفنادق والمطاعم والمقاهي الحديثة وقاعات الاحتفالات والمناسبات والاندية والمولات والاسواق والعمارات الشاهقة بشكل جعلها تعاني من التضخم السكاني وغلاء المعيشة وارتفاع الاجور والايجارات والاختناقات المرورية، مما أثر في الحياة الاجتماعية فيها وتقاليد سكانها وطبيعة علاقاتهم الاجتماعية. وازدادت حالتها سوءا بعد قدوم الوافدين اليها من المسيحيين المهجرين الهاربين من جحيم الارهاب في المناطق التابعة للحكومة المركزية وخصوصا من البصرة وبغداد والموصل وكركوك.
وواجب الحق يملي علينا ان نقول ان الجزء الاكبر من هذه المشكلة يقع على عاتق ابناء عنكاوا الذين باعوا اراضيهم ودورهم بمحض ارادتهم، كما أجّر بعضهم هذه الدور والمحلات، وحول آخرون محال سكناهم-خصوصا الواقعة على الشوارع التجارية- الى محلات تجارية فأجروها أو باعوها لقاء اموال قد تكون زهيدة ولكن هذا ما حصل، فجاء الغريب يجر الغريب لأن المنطقة أصبحت مغرية وجاذبة للسكان والاستثمارات والاموال. فليس الذنب كله يقع على الحكومة. والحكومة ربما لم تكن تقصد ان يحدث هذا التغيير المريع وغير المتوقع في عنكاوا، فلربما كان في نيتها وهي توزع الاراضي على سكنة عنكاوا من ابنائها اولاً ثم من الوافدين اليها ان تسدي خدمة لهم وتعمل على تطوير مدينتهم، ولكن يبدو ان الامور تضخمت ثم انفلتت نتيجة دخول بعض من يغلِّبون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة ومصلحة المدينة ولم يعد بالامكان السيطرة عليها فحدث ما حدث. اذا فجزء من المشكلة تتحمله الحكومة والجزء الاخر وهو الاكبر في رأيي يتحمله الاهالي انفسهم.
-4-
سقوط الأقنعة وأوراق التوت
في كل ما يجري تجد أحزابـ(نا) التي انضوت تحت ما يسمى بتجمع تنظيمات واحزاب شعبنا (الكلداني السرياني الاشوري) ترعى في وادي والناس في وادٍ آخر. فالمراقب للأحداث يرى ان هذه الاحزاب بعيدة جدا عن مستوى تفهم مطاليب شعبنا. فليس لها هم سوى الحصول على المناصب والمقاعد والمكاسب الفردية الشخصية مغلِّبةً مصالحها الضيقة على مصالح الجماهير. والملاحظ إن خطابها في هذه القضية وقضايا اخرى مماثلة غير واضح ومشوش ولا يتعدى اطلاق التصريحات واصدار البيانات غير الواضحة تحول فيها ارضاء جميع الاطراف، فهي تملأ نصف صفحة من بياناتها بالكلام عن عدالة الحكومة وديمقراطيتها ورعايتها للمسيحيين وانها واثقة من الحكومة ستحمي حقوق اهالي عنكاوا وتعيد الحق الى اصحابه وان هناك وعوداً أكيدة من الشخص الفلاني والشخصية الفلانية وووو الخ من الكلام المعسول الذي نسمعه كل يوم. انها تتبع سياسة مسك العصا من الوسط خوفا على مصالحها مع احزاب السلطة من جهة، وتغازل الجماهير بالكلام من جهة اخرى. أما الفعل فغائب تماماً. والغريب في الامر ان هذه الاحزاب بدلا ان تكون هي الراعية للتظاهرة والقائدة للجماهير وتحريك الشارع تنتظر الشارع ماذا يفعل حتى تركب الموجة لترى اين سيميل ميزان القوى. لقد أراد كل حزب ان يجيِّر التظاهرة لصالحه، ويستفيد منها ويكسب قدر ما يستطيع. لم تكن عنكاوا همه الاول، بل كان يفكر في المكاسب السياسية التي يمكن ان يجنيها جراء ركوب الموجة والصعود على اكتاف المتظاهرين وخاصة الشباب المندفع.
يجب القول-بلا مواربة- ان ورقة التوت قد سقطت عن هذه الاحزاب التي تبدو عاجزة عن اتيان الفعل والقدرة على كسب الجماهير، ويبدو ان هذه الاحزاب نسيت ان مطالب الناس فيما يتعلق بخدمات السكن والماء والكهرباء والاراضي والوظائف والتعيينات والحريات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية أهم من مسألة تغيير تسمية شعبنا في الدستور العراقي إلى التسمية الثلاثية بعد نجاح تغييرها في مسودة الدستور الكردستاني إثر عملية كوماندوسية فردية قبل سنوات. كما ان من يدّعي تمثيلنا في البرلمان غائب تماما عن مسرح الاحداث، ألم يتعبوا من رفع أياديهم دلالة الموافقة؟! أين هم من قضايا شعبنا؟ اين هم من التجاوز على اراضي شعبنا؟ متى نراهم يوما يتكلمون في جلسات البرلمان؟ لقد اصبحت أمنية الناس ان يروا هؤلاء الممثلين يرفعون أياديهم يوما بـ(لا)، وأن يعترضوا، او يستقيلوا، أو يسجلوا موقفاً من أي نوع كان. هل هي أماني مشروعة ام إننا نحلم؟!
آخرون من المسؤولين المحسوبين على السلطة او الحكومة كانوا تماما ضد ما يحصل في عنكاوا من تجاوزات، ويجاهرون بذلك، ولكن بمجرد أن زمام الامور لم تعد بيدهم اصبحوا ضد التظاهر وضد العملية برمتها. فهؤلاء لا يؤمنون بالاصلاح الا اذا كانت تقوم به الحكومة او السلطة المحسوبين عليها. فالقضية-عند هؤلاء- فيها انانية كبيرة، فإما ان يكون هم قادة الاصلاح ويحسب لهم الفضل، والا فلا داعي له. وما دمنا بهذا النفس الاناني لن نصل الى شيء.
-5-
مركز ثقافي اشوري...في عنكاوا!
عنكاوا بلدة كلدانية في الصميم. ومن كان فيها غير كلداني فهو وافد اليها، مرحب به أيما ترحيب بين أخوته. وعنكاوا تزخر بالمراكز الثقافية والاندية الاجتماعية والمهنية والرياضية والعائلية على اختلاف المشارب والاهواء والألوان. ويمكن لأي واحد أن ينتمي إلى هذه المراكز والاندية خصوصا إذا كان مؤمناً بوحدة شعبه رغم اختلاف التسميات. وليس مثلنا نحن(وانا واحد منهم) الكلدان الانقساميين المتطرفين الذين لا نؤمن بـ(وحدة شعبنا) فترانا لا نؤمن الا بما هو كلداني.
أسوق هذه المقدمة البسيطة كي ادخل منها الى صلب الموضوع، وهو تأسيس مركز ثقافي اشوري في عنكاوا. لماذا هذا المركز؟ ما الذي ينوي القيام به؟ ألا يملك شعبنا (الموحد) مراكز وجمعيات ومؤسسات كثيرة بأسماء كلدانية وسريانية(وهي أسماء تاريخية لشعبنا)؟! لماذا تحديداً (اشوري)؟ وليس كلداني سرياني اشوري. انا على يقين انك لو سألت القائمين على المركز هل يؤمنون بوحدة شعبنا(الكلداني السرياني الاشوري)؟ سيأتيك الجواب بنعم. إذا لماذا التسمية الاشورية وليست التسمية الثلاثية القطارية؟ هل هو الضحك على الذقون؟ إذا كان كل واحد(من الوحدويين طبعا وليس من الانقساميين) يحتفظ باسمه الفردي(سواء الاشوري ام الكلداني ام السرياني)، واذا كانت الاحزاب والتنظيمات السياسية والمراكز والجمعيات القومية والثقافية تحمل اسماء فردية. فعلامَ الترويج للتسمية القطارية(الكلداي السرياني الاشوري)؟! هل هو التلاعب بمشاعر الناس؟
أرجو منك عزيزي القارىء ألا تحور مسار مقالي وتفهمه بشكل مغلوط. فانا لا أناقش شرعية قيام مركز ثقافي اشوري من عدمها فهذه حرية مكفولة للجميع بحسب القوانين، وليس لنا عليها اي اعتراض. ليس هذا جوهر الموضوع. جوهر الموضوع هو مناقشة (الوحدويين) الذين خبصونا بأصواتهم وطنينهم متباكين على (الوحدة) التي مزقها الكلدان (المتطرفين الانقساميين طبعاً) الذين يقفون ضد ثالوث التسمية المقدس. طيب نحن الكلدان انقساميون، انتم لماذا تقبلون على انفسكم ان تكونوا كذلك؟ لماذا لم يحمل مركزكم التسمية الثلاثية كي تشعروننا بخطئنا وتزمتنا وتطرفنا وعنادنا اللامجدي؟! لو كنتم فعلتم ذلك لقلنا نحن على خطأ ويجب ان نعيد النظر في حساباتنا، وانتم على صح ويجب أن نقتدي بكم. ولكن نحن على يقين قاطع مليون بالمئة انكم لا تؤمنون الا بالتسمية(الاشورية) وان التسمية الثلاثية ما هي الا خدعة وتكتيك مرحلي تسحبون فيه البساط من تحت اقدام الكلدان الذين بدأ شعورهم القومي ينهض ويتعاظم يوما بعد يوم.
آخر الكلام:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ ان يستجيب القدر