قراءة أولية في مؤتمر التعايش والتسامح الاجتماعي
سمير خوراني
كنتُ من بين المشاركين في هذا المؤتمر الذي عقد للفترة من 30 تشرين الثاني الى 1 كانون الاول 2010 في أربيل بحضور واسع من الشخصيات الدينية وممثلي الطوائف وبعض منظمات المجتمع المدني والاكاديميين والمثقفين. وقد توسمت في المؤتمر خيرا سيما بعد ان عرفت انه سيكرس لدراسة الواقع المسيحي في العراق خصوصا انه يأتي متزامنا مع الابادة الجماعية المنظمة التي يتعرض لها المسيحيون من قتل على الهوية وتهجير وجينوسايد. فوجدت فيه انا ومجموعة من الاصدقاء فرصة من اجل إعلاء الصوت- السلاح الوحيد الذي نملكه للدفاع عن انفسنا- لعلّ سامعا يسمع، ولكن يبدو أن لا احد يستمع الينا، مع أني لم اكن متفائلا سلفاً بما سيخرج به المؤتمر وبما سيحققه، فلقد شبعنا مؤتمرات كما شبعنا استنكارات.
على اية حال خرجتُ من المؤتمر بجملة ملحوظات أسجلها كما ياتي:
1- لم يكن المؤتمر سوى فبركة إعلامية تستهدف ذر الرماد في العيون وايهام المسيحيين ومن ثم الرأي العام الدولي والحكومات الاوربية تحديدا بان الحكومة جادة في ايجاد حل لمعضلة المسيحيين في العراق، لأن الحكومة العراقية تخشى أيَّما خشية من تدويل قضية المسيحيين. انه باختصار مؤتمر للإستهلاك الاعلامي ليس إلاّ.
2- الذي يؤكد ذلك إن المقيمين الاساسيين على المؤتمر هم وزارة حقوق الانسان في العراق، وهي كما نعرف وزارة هامشية لا حول لها ولا قوة، ولأنها هامشية أعطيت لسيدة مسيحية! كما ان الوزيرة لا تستطيع ان تخرج عن توجهات الحكومة، او تقف بالمرصاد لها وتتخذ مواقف ضدها، ونحن لا نحمِّل الوزارة اكثر من طاقتها(وعذرا لهذا الكلام سيدتي الوزيرة، ولكنه الواقع).
3- لهذا كان يفترض -كي يكون للمؤتمر صدى وتاثير- ان تقوم به منظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية أو كبار الشيوخ وعلماء المسلمين شيعة وسنة-دون رعاية من الحكومة- ويصدروا قرارات وفتاوى بتحريم قتل المسيحيين كخطوة اولى لبقائهم في الوطن ومن ثم العمل بعد ذلك على استصدار تشريعات برلمانية وقررات حكومية بغية المحافظة على وجودهم في ارض الاجداد والعيش بكرامة.
4- التوصيات والمقررات أُعِدت سلفاً في ورقة وزعت على الحاضرين قبل البدء بالمناقشات.
5- الخطوط العريضة للبيان الختامي كانت هي الاخرى جاهزة ومعدة سلفاً، ولم يتغير فيها الاّ القليل، وكان التغيير الذي حدث هو في الصياغة اللغوية او اضافة شيء ليس بذي قيمة.
6- كان يفترض بالمؤتمر- وهو ينعقد تزامناً مع إبادة المسيحيين- ان يخصص معظم نقاشاته لبحث هذه المسألة الملحة والراهنة، ولكنه حاد عن الطريق الصحيح وخرج عن مساره فأصبح مؤتمرا عن الأقليات الدينية والإثنية والقومية في العراق، فكان كل واحدٍ يغني على ليلاه: الكورد الفيلية، الشبك، الصابئة،الإيزيدية، الكاكائية. بطبيعة الحال ان هذه المكونات لها الحق كل الحق في طرح قضاياها لأنها هي الأخرى مضطهدة في العراق، ولكن هذه المكونات –الان تحديدا- لا تتعرض الى ما يتعرض اليه المسيحيون من جينوسايد. فكان حريا بالقائمين على المؤتمر ان ياخذوا هذه المسألة بعين الاعتبار. فقضية المسيحيين هي القضية التي تتصدر القضايا الملحة في العراق والمنطقة.
7- قرارات المؤتمر غير ملزمة. إذن ماذا فعلنا؟ وحين اعترض بعض المشاركين على هذا، كان جواب وكيل وزارة حقوق الانسان: إنها ملزمة للمشاركين فقط. من هم المشاركون؟ اغلبهم رجال دين وناشطون مدنيون واكاديميون ومثقفون. فما هي السلطات التي يملكونها؟ وما هو نفوذهم؟!
8- آلية إجراء النقاشات والحوارات لم تكن منظمة وممنهجة. كثير من الحاضرين لم تُعطى لهم -بقصد او دون قصد- الفرصة للحديث. هناك من تحدث مرات ومرات والوقت كان مفتوحا له، وكثيرين- وانا واحد منهم- لم تسنح لهم الفرصة الكلام، رغم أنهم سجلوا اسماءهم كراغبين في المداخلة والمناقشة، ولكن السيدة الوزيرة التي كانت تدير الجلسة بمعية الدكتور كاوه وزير الثقافة في حكومة الاقليم ألغت تلك المداخلات بحجة الوقت. ان هذا التصرف لايمكن تفسيره الاّ على انه نوع من الاقصاء والتهميش. كما ان طريقة جلوس المشاركين قسمتهم الى مشاركين من الدرجة الاولى ومشاركين من الدرجة الثانية وآخرين من الدرجة الثالثة. وهذا التقسيم انعكس على نوعية المشاركة فاغلب المشاركات بالحديث كانت لمن كانوا من الدرجة الاولى الذين تجمعوا حول الطاولة المستديرة(واغلبهم كانوا من رجال الدين)، أما الاخرين فكانوا من المهمَّشين.
9- كانت المحاور المفترضة المرفقة مع بطاقة الدعوة هي:
أ- الوثائق الدولية المتعلقة بحماية حقوق الاقليات ومفهوم الاقلية في القانون الدولي المعاصر فضلا عن اهمية الدستور الاتحادي والقوانين الحالية في حماية حقوق الاقليات .
ب- مفهوم التسامح والتعايش المشترك ومفهوم المواطنة وخلق حالة التوازن بين مفهوم الخصوصية القومية والدينية والمذهبية والمواطنة .
ج- دور رجال الدين في دعم حقوق الاقليات .
د- دور النظام السياسي واهميته في ايجاد استراتيجية هادفة للحد من هجرة الاقليات والمحافظة على التنوع القومي الثقافي العراقي.
هـ - المناهج الدراسية واهميتها في التعريف بحقوق الاقليات .
و- دور منظمات المجتمع المدني في حماية حقوق الاقليات .
وكما هو واضح فإن المحاور تبدو مهمة للغاية، ولكن تبين بعد ذلك انها كانت مكتوبة على الورق فقط كديكور للزينة، ولم يناقش أي محور من المحاور المعلنة. وكانت المناقشات والمداخلات عامة ومفتوحة وبدون نظام وترتيب.
10- المؤتمر كان بعنوان (مؤتمر التعايش والتسامح الاجتماعي) وتحت شعار( اطياف العراق مصدر ثرائه الوطني) بيد ان المفارقة العجيبة كانت تصدّر هذه الاية القرآنية( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) بطاقة الدعوة. ليس لنا اعتراض على ذلك، ولكن كم كان سيكون جميلا لو كان الى جانب هذه الاية آيات من الانجيل و الكنزا ربا أو حتى من الكتاب المقدس للإيزيدية. أليس المؤتمر للتعايش للأقليات؟ هل المسلمون في العراق أقلية؟ فلماذا الاية القرآنية إذن؟
11- اقتصر اليوم الاول من المؤتمر على الكلمات الرسمية لرؤساء أو ممثلي الاقليات الدينية والإثنية والمذهبية وبعض الشخصيات الحكومية الرسمية والمعروفة وهي كلها خطابات احتفالية لا تخرج عن الكلام المعسول مع الشجب والاستنكار والتنديد الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
12- بطبيعة الحال خرج المؤتمر بتوصيات ومقترحات جيدة ولكن .. ما قيمة كل هذا إذا كان لا أحد يسمع، وإذا سمع لا يفعل.
13- معظم المشاركين أبدوا تعاطفهم مع المسيحيين فيما يتعرضون له من إبادة.... سعيهم مشكور.
14- بمجرد ان بدات جلسة اليوم الثاني انسحب رجال الدين المسيحي احتجاجا على استمرار مسلسل قتل المسيحيين بعد ان اتت اخبار مقتل شاب مسيحي في الموصل، والذي حزَّ في نفوسنا أنّ رجال الدين اتفقوا-مسبقا- فيما بينهم على الانسحاب دون ان يخبرونا بذلك نحن العلمانيين من المسيحيين الحاضرين في المؤتمر؛ كي يكون موقف الانسحاب أقوى. ألسنا مسيحيين أيها السادة؟! أليست القضية قضيتنا نحن كذلك؟! والذي حزّ في نفوسنا اكثر انهم رجعوا بعد ذلك بعد تدخل السيدة الوزيرة والسيد وزير الثقافة في حكومة الاقليم لاقناعهم بالرجوع. ترى هل كانت مسألة الانسحاب ثم الرجوع مرتَّبة ومتفق عليها سلفاً؛ من اجل بيان الموقف الكنسي من جهة، والرجوع كي لا يفشل المؤتمر من جهة اخرى؟! وكم كنت اتمنى عدم رجوعهم؛ لأن صدى انسحابهم كان سيكون أقوى واكثر تأثيرا من كل مقررات المؤتمر وتوصياته.
في النهاية اقول: إن قضية المسيحيين في العراق هي جزء من قضية المسيحيين في الشرق عموما، فالعصابات الارهابية التي التي تتجلبب بجلباب الدين اتخذت قرارها باخلاء الشرق من المسيحيين. ولكنها بدات بالعراق بسبب ضعف الدولة العراقية وانفلات الامن وتصدير الدول الاقليمية ارهابييها اليه عبر حدود مفتوحة فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، كما انَّ وجود الاميركي المحتل يقدم للإرهابيين مسوِّغا ومبرراً لضرب المسيحيين الكفار. فضلا عن ان نزوع نظام الحكم في العراق نحو المحاصصة الطائفية تحت مسمى(التوافق) بدأ يرسخ أسس مجتمع ديني طائفي غالبيته-على الصعيد الديني- من الاسلام، وأقليته من الديانات المهمَّشة، وغالبيته-على الصعيد القومي- من العرب والكرد(كما يقر بذلك الدستور الطائفي) وأقليته من القوميات الأخرى،
امام المسيحيين في العراق خياران لا ثالث لهما: إما ان تحل الدولة العراقية- وبكل جدية- مشكلتهم من جذورها عبر تشريعات وقوانين وقرارات ملزمة ونافذة وتهيىء الرضية الصالحة لهم لممارسة كل حقوقهم القومية والثقافية والدينية، او ان يتم تدويل القضية ونقلها الى المحافل الدولية كالامم المتحدة ومجلس الامن الدولي والاتحاد الاوروبي والمنظمات الدولية غير الحكومية والدول التي لها تجارب في دعم الشعوب المضطهدة.
وبما ان الحكومة العراقية ضعيفة وغارقة حتى اذنيها في مشاكلها الامنية والادارية والسياسية ولا تستطيع حتى حماية نفسها، او انها تستطيع ولكنها لا تفعل لأسباب قد نفهمها او لا نفهمها، بدليل انه لم يتم الكشف عن الجناة السابقين الذين تورطوا في خطف ومقتل وتهجير المسيحيين وتدمير كنائسهم في الموصل والبصرة وبغداد. لم يبق إذن الاٌ التدويل. فلتتحرك كل قوانا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية على هذا الصعيد، فلقد شبعنا استنكارات وتنديدات وبيانات وتعاطف.
آخر الكلام: ما حكَّ جلدكَ كظفركَ.