المكونات القومية والدينية العراقية بين مطرقة النواب وسندان الحكومة
ادورد ميرزا
استاذ جامعي مستقل
يعتبر غالبية شعبنا في العراق بان يوم الأثنين المصادف الثالث من نوفمبر عام 2008 يوم اسودا في تأريخ مسيرة مجلس نوابنا , لا بل وصمة عار في جبينه , فمجلس نوابنا لا يحتاج الى التعريف بهويته وتوجهاته , فتشكيلته مبنية على المحاصصة الطائفية وهذا ما سيجعله اوتوماتيكيا مجلس مصلحي وفئوي , ولا حاجة لتذكيركم حول الكيفية التي ادت الى انتخابه والتي حامت حولها الشكوك في شرعيتها ونزاهتها .
6 سنوات ..وغالبية اعضاءه يستلمون مرتبهم الشهري بشكل منتظم ويتمتعون بحصانة وحماية امنية قوية , لا هم لهم ولا غم , فكل شئ متوفر ابتداء من السكن والماء والكهرباء والملبس وانتهاء بجوازات سفرهم الستاند باي كما يقولون , اما ولاءهم الوطني فغائب في وجدانهم وقد حل محله الولاء لكتلهم واحزابهم !
لقد صوت هذا المجلس وباغلبية 106 صوت من مجموع 150 نائبا حضروا الجلسة على مقترح تعديل قانون مجالس المحافظات , اي ان التعديل الذي اقر في هذا اليوم ينص على منح مقعد واحد لكل من المسيحيين والصابئة في مجلس محافظة بغداد، ومقعد واحد للمسيحيين في مجلس محافظة البصرة، ومقعد واحد لكل من المسيحيين والايزيديين والشبك في مجلس محافظة نينوى .
فيا مجلسنا الذي لم يكتمل نصابه يوما واحدا ..نعلمكم ونعلم حكومتنا بان شعبنا الأشوري المسيحي مكون عراقي اصيل وهو لم ولن يقف معارضا ضدكم ابدا, انه شعب مسالم وديع يحب الحياة والسلام , ولا يمكن ان نشبهه بكم ابدا وهذا ليس معناه انه احسن حالا منكم .. حاشا لله , لكنه شعب عراقي يؤمن بان اي تغيير او نجاح سياسي لا يمكن ان يتأتى عبر الترهيب والعنف , فبالرغم من ان شعبنا وتنوعه الكلداني والسرياني وألاشوري قد عان الكثير من سلبيات وسياسات سلطة النظام البعثي البائد , لكنه بقي يبحث عن مخرج سلمي وحواري مع سلطة البعثيين ولكنه لم يفلح ابدا .
ان شعبنا شديد الحرص على سلامة وطنه وعلى حكومته , وان اي سلوك او تصرف صادر من عضو حكومي او برلماني يشك في طائفيته او عنصريته فسوف يعارضه بكل الوسائل المدنية السلمية , وفي نفس الوقت فانه سيدعم ويساند كل من يدافع عن الوطن وعن حقوق شعب العراق ومهما تكن هويته مسلما كان او مسيحيا صابئا او يزيديا او غيرهم , فيا مجلسنا المؤقر ...هل استكثرتم على شعبنا حصوله على 12 مقعد من اصل 270 مقعد , هل يخيفكم تواجد هذا العدد باعتباره البعبع الذي سيسرق منكم كراسيكم وجهدكم , لا اخفي عليكم وعلى شعبنا سرا , فاني متأكد بانكم ستستنكرون ما جرى وسيعاد الأمر كما كان , وحينها ساذكر شعبنا بكم لأن كل تقلباتكم اصبحت شيئا طبيعيا عندنا , فهل نسيتم ما قمتم به بالأمس حيث صوتم على الغاء المادة 50 وعدتم انفسكم مستنكرين وتطالبون باعادتها ..واني اتوقع بانكم ستعودون تستنكرون وتغيرون خطاباكم , يشبهكم البعض من العراقيين وكأنكم فرقة تمثيل كوميدية تعرض مسرحية بدون عنوان...!
ان بعض من الكتل المهيمنة على مجلس النواب , او في مجلس الحكومة فاننا ندعوها على مراجعة موقفها واثبات حسن نيتها من خلال الالتزام المبدئي والوقوف والثبات على موقف واحد لا ان يتصرفوا كمن هم انتهازيون ومراوغون كوميديون , ان تصرفاتهم هذه تؤشر لنا ان البعض منهم في صدورهم مرض وحقد اتجاه العراقيين وخاصة المكونات الأصيلة المسالمة والوديعة من مكونات شعب العراق , وبعضهم غير راغبين بمشاركة هذه المكونات في رسم سياسة البلاد , والمحير في الأمر ان ما يقره مجلس النواب اليوم يعود في اليوم الثاني لالغاءه , وما ترفضه الحكومة اليوم تعود في اليوم الثاني لاعادته , ويبدو ان المجلس هنا والحكومة هناك , والحقوق في مهب الريح , فلماذا مجلسنا لا يعمل لصالحنا وهي هنا , وحكومتنا لا تنفذ تعاليم مجلسنا وهي هناك ؟
متى يستيقظ الحاكمين , ستة سنوات نهب المال العام وتدمير الثقافة وقتل وتهجير وفساد ودجل وكذب , ومتى نتخلص من المحاصصة البائسة والحقيرة والتي ثبت ان المدافعين عنها غايتهم كسب الغنائم والمناصب فقط , كفى استهتار وشعارت فارغة , افصحوا عن نواياكم مباشرة , قولوها علانية انكم موظفون واياديكم مقيدة , هذا ليس عيبا انما هي شجاعة , صارحوا شعبكم انكم غير قادرين على فعل اي شئ , اعلنوها وبكل فخر ان المحتل الأمريكي الذي اعدم الدكتاتور صدام والغى الدولة العراقية , هو القائد وهو المتحكم الوحيد على كل الساحة العراقية , لماذا تحاولون الظهور وكأنكم محرري وسادة العراق وانكم قادرين على تحقيق الديمقراطية والأمن للعراقيين , في حين انتم لستم كذلك , لقد غاب عنكم ان شعب العراق هو امتداد لشعب امبراطورية آشور واكد وبابل , وان احفاد هذا الشعب قد وقفوا ضد الذل والاستعمار والطغيان في ثورة العشرين الى جانب العرب والكرد الأبطال وغيرهم , فلماذا الاستهانة به وبمن تسمونهم اقليات وانتم تقرون على انهم هم اصحاب الأرض وهم مكونات اصيلة وجزء اساسي من شعب العراق ..اليس هذا كلامكم ... فالعراقيون عرفوا لعبتكم وحيلكم وتقلبات امزجتكم , لقد خنتم عهد الذين انتخبكم ومنهم شعبنا , بل ولم يتحرك ظميركم اتجاه ما جرى لشعبنا من قتل وتهجير وحرق وتدمير لكنائسه المقدسة , هل تستطيعون ذكر من قتل شعبنا وهجره في الموصل والبصرة وبغداد وبعقوبة وغيرها من محافظات العراق , هل نزلوا من السماء هل هم اشباح , الاف الجرائم والقتلى تنسبونها لمن تشاؤون وتسجل ضد مجهول , اي حكومة هذه تدعي انها تسيطر على امن البلاد , في حين ان امن البلاد تسيطر عليه الميليشيات والعصابات الاجرامية , واليوم ها هي مآسي وجراحات واحزان اهلنا في الموصل تتصدر وسائل الاعلام والتي ما زالت ندية .
ان تقتيل شعبنا وترويعه وتهجيره بدء منذ 2003 وقد انطلقت اولى شرارتها من البصرة ثم لحقت بها بغداد واخذت مداها الكامل في الموصل , ولحد هذه اللحظة لم يكشف عن هوية القتلة فمنهم من يعتقد انها ميليشيات تابعة لاحزاب متنفذة في الحكومة ومنهم من يعتقد انها عصابات ارهابية دخلت من خارج الحدود , ومنها من يعتقد انها من جهات خارجة عن القانون ومن ازلام صدام , ولكن المهم فان غالبية شعبنا يعتقد بان هناك جهات عراقية لها مصلحة لمكاسب سياسية تقف وراء هذا العمل الاجرامي , وقد توافقت مصالحها مع جهات اخرى أعدت برنامجا منظما لتفريغ العراق من شعوبه الأصيلة .
لقد تبين بان سياسة تفريغ العراق من مكوناته الأصيلة ومنها شعبنا الكلداني السرياني الأشوري بعد 2003 اخذ بالتزايد ويبدو انه لن يتوقف الى ان يقضى على آخر فرد منهم سواء بالقتل او التهجير , ولكن هيهات لهذه القوى الطائفية او الارهابية او العنصرية والتي تريد النيل من هذه المكونات الأصيلة , لأن شعب العراق الأصيل ..الكردي والعربي والتركماني المسلم بتنوعه المذهبي والعرقي لن يقبل بذلك ابدا , وان استمر تعرض شعبنا لهذا المنهج فانه لن يقف مكتوف الأيدي , بل سيوصل صوته الى كل ارجاء المعمورة لمساعدته وانقاذه من الظلم والتطهير الذي يناله.
ان بعض الكتل المتنفذة في مجلس النواب العراقي اذا ما استمرت في تشريع قوانين ومواد تقلل من اهمية وجود شعبنا وتهميشه كمكون اصيل من مكونات الشعب العراقي وتقيده لتذويبه الى حد منعه من الحركة في الساحة السياسية فان هذه الكتل تفصح عن نفسها على انها غير مؤمنة بالديمقراطية ولا بحقوق الانسان مما سيجعلنا ان نحشرها مع قائمة الداعين والداعمين لعمليات التطهير العرقي والديني في العراق , ولا اعتقد بان ذلك يسعدها .
ان شعبنا يمثل هوية وطنية وقومية كبرى يجب الحفاظ على استقلاليتها وعدم السماح بذوبانها في الهويات القومية والمذهبية السائدة كما يراد لها ، ان المطلوب من الحكومة ومجلس النواب والأحزاب الديمقراطية هو حماية هذا الشعب المسالم والنزيه وفسح المجال واسعا أمامه لكي ينهض كباقي أبناء الشعب العراقي بدور قيادي في ادارة سياسة الوطن للمساهمة في اعماره وترسيخ روح الديمقراطية في العمل وهذا لن يتأتى الا من خلال ضخ اكبر عدد من ممثليه في كل مؤسسات الدولة ومحافظاتها , وهذا هو الأجراء العادل الذي سيشعره بجوهر وطنيته ومساواته في الحقوق والواجبات , كما ان العمل بكل جدية على إقصاء البعد الديني الطائفي في كل نظرة سياسية أو ثقافية تتنافى مع الديمقراطية المنشودة والتي يتمناها الشعب العراقي كله هو مطلب شعبي عراقي واسع , فلكل عراقي ومنهم شعبنا حقوق وواجبات متساوية ..ولا اخفي سرا فاني لست من المشجعين على ما روج مؤخرا بما تسمى بالكوتة بل اتمنى اسقاطها من كل العملية السياسية العراقية مستقبلا والى الأبد لأنها لا تخدم اي مكون عراقي اصيل وهذه وجهة نظر قد تكون غير ملائمة للبعض من القوى العراقية.
وكما اكد السيد المهندس يوناذم كنة والسيد ابلحد افرام والسيد سركيس آغاجان وقادة آخرين وجماهير احزابنا القومية جميعا ومنهم لا الحصر الحركة الديمقراطية الأشورية وحزب بيت نهرين الديمقراطي , ومؤسساتنا ومجالسنا الشعبية والرسمية وقادة كنائسنا الاجلاء فان هؤلاء جميعا وهم يشكلون امة واحدة , متفقون على اهمية الحصول على حقوقنا القومية, وقد لخصها وبكل جدية ومسؤولية الحزب الوطني الأشوري في بيانه الأخير.......
فاننا نجدد تأييدنا والوقوف معهم جميعا دون استثناء لضمان تمثيل عادل لشعبنا الأشوري المسيحي بخصوصيته القومية وليس الدينية وذلك للمشاركة في مجالس المحافظات وفي كل مؤسسات الدولة العراقية التشريعية منها والتنفيذية , ان التعامل مع شعبنا على اساس الخصوصية الدينية فقط فانه مرفوض من قبل غالبية ابناء شعبنا , اننا أمة قومية واحدة يحتمي تحت سقفها جميع اتباع الكنائس الكلدانية والسريانية والأشورية , ولنا وجود تأريخي على هذه الأرض منذ اكثر من سبعة الاف سنة , أمة انتمينا الى المسيحية قبل حوالي 2000 سنة فقط , فهل يعقل ان نعامل على اساس انتماءنا الديني لكي ينفرد بنا المتطرفون اعداء الحياة لاكمال عملية الغاء ديننا وجودنا القومي , ان تحقيق المطالب القومية المشروعة لشعبنا ومشاركته في القرار الوطني وتمثيله بخصوصيته القومية في جميع مؤسسات الدولة العراقية وفي اقرار حقه في الحكم الذاتي وتثبيته في الدستور مطلب اساسي وشرعي وهو الضمانة الوحيدة لحمايتنا نت التطهير والتشريد , وان اي رأي يخالف ذلك فانه يعد خروجا عن الاجماع الشعبي للامة ويعتبر خيانة عظمى ليس لتأريخ وماضي شعبنا فقط انما لماضي تأريخ وحظارات العراق جميعا .
وقبل انهاء هذا المقال وردني نبأ موافقة مجلس الرئاسة وعلى لسان السيد رئيس الجمهورية على التعديل والذي ينص على منح مقعد واحد لكل من المسيحيين والصابئة في مجلس محافظة بغداد، ومقعد واحد للمسيحيين في مجلس محافظة البصرة، ومقعد واحد لكل من المسيحيين والايزيديين والشبك في مجلس محافظة نينوى ....وهذا التصريح لم يفاجئني لأن السياسيون الجدد في العراق يفهمون السياسة على انها فن تغيير الموقف والابداع في اقصر طرق جني المكاسب ...لننتظر فهناك المزيد من المتغيرات .
{ ِردناهم عون طلعوا اكثر من فرعون }