كيف ننسى "صوريا"
يونان هوزايا
(1) الذكرى
كنا صغارا نحصي ما بقى من للعطلة الرتيبة، فأيام معدودات ونحمل حقائبنا صوب صفوف الدراسة، فكرنا مرارا برهبة الانتقال من الابتدائية الى الثانوية، نحن الصغار اليافعون، امام رجال بعمر آبائنا، بـ "قلافتهم" و"شواربهم" و"سكائرهم"، نحن الاصدقاء، بهنام (شكفت مارا) وكوركيس وصباح (مهمدية) وفارس وفرهاد واكرم (محلة النصارى)، وعمر وصديق (سيمالكا)، و...
ولم أكن لاعلم شيئا عن العالم حولنا، الا كلام من قبيل الحكايات، وهذا ينسحب على قرانا المبثوثة حول زاخو، فان لبعضها مدارس ابتدائية سترفد الثانوية حتما، وكان ذلك، فها مثلا اديب، موسى، بولس، كمال (من فيشخابور، ديرابون، صوريا، شرانش)، وكثير غيرهم..ا
اليوم كان علي سماع القداس، اذ انه اخر يوم أحد لهذه العطلة، ختم القس أوراها القداس، خرجنا مسرعين، المسافة الى بيوتنا تقترب من كيلومترين، انحرفنا عن الطريق وتسللنا في بستان أشقاء داود كوكا، وجدنا انفسنا تحت شجيرات التين، نقتطف منها فايادينا تصلها ولا نحتاج لتسلقها...
- "لقد عرفتكم ايها اللصوص"...
هذا الصراخ كان كافيا لنا لنقفز فوق المزروعات واللاحات، ونشرط اجسادنا بسياج البستان، ونرمي انفسنا في الساقية، فتغمرنا مياهها حتى رقابنا، ولنتجه بعيدا عن الاعين، ننتظر كي تجف ملابسنا..
عدنا للقرية، وجدنا أهالينا مجتمعين أمام بيت المختار حنا كدة، وعلمنا ان أقرباء للسيدة كنته قد اعدموا في "صوريا"!!
--------------
(2) عينان*
رغم ان ذاكرة شعبنا مكتظة – ان صح التعبير- بمآسي وويلات الحروب وفرمانات التحريض وفتاوي الجهاد- خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والثلث الاول من القرن العشرين، رغم كل ذلك، فان شعبنا نقش في ذاكرته احداثا اخرى كثيرة، تربعت على عرشها انتفاضة سميل ومذابحها، فوسم شعبنا تاريخها بيوم الشهيد "الكلداشوري"، وبتاثير تلك الاحداث وتداعياتها، تاسس اتحاد الاندية الاشورية (الفدريشن) في 1934، وتزامن ذلك بقيام المفكر الكبير فريد نزها، باصدار مجلته "الجامعة السريانية" في بوينس ايرس- الارجنتين في 1934، واستمرت حتى 1959، وايضا نشرت مذكرات وكتب وتواريخ ومشاريع افلام، والقيت محاضرات ونظمت ندوات بخصوصها، والان في معظم الفعاليات التي تتناول القضية، اصبحت سميل وصوريا توأم يحبذ الكثير الربط بينهما..
و "صوريا" اسم كناية لمذبحة من زمن البعث، في 19/9/1969، عندما انفجر لغم ارضي تحت احدى مركبات قافلة عسكرية على بعد حوالي خمس كيلومترات عن القرية، عندها رجعت القافلة، جمعت أهل القرية - ومعهم القس الزائر حنا قاشا، ليعطي المجرم الملازم عبد الكريم خليل الجحيشي (من الموصل) اوامره، فأصلى جنوده ببنادقهم الالية الاهالي العزل، فاستشهد في الحال 38 وجرح 22، ولم ينج الا من صار تحت الجثث!!
نعم!! رفيقي "بدران"، ينساها العالم كله، الا أهلها فهيهات أن ينسوها، وأهلها نحن من الشهيدين "جميل وشيبا"، وحتى "وردا و نشرا" والعزيز المرحوم يونان هرمز..
نعم، لقد كتبنا وطالبنا بمذكرات رسمية، تضمين المذبحتين ديباجة الدستور العراقي الدائم، ومقدمة دستور أقليم كوردستان، خصوصا وانهما جاءتا بعد تشكيل الدولة العراقية، وغير ذلك أيضا..
-----------
(*) عينان: (كناية عن سميل وصوريا)، عنوان قصة قصيرة نشرتها لي مجلة (نجم بيث نهرين) للمركز الثقافي الاشوري- نوهدرا، في عددها (7) تموز 1994