رسالة مفتوحة الى سيادة الكاردينال دلي المحترم

رسالة مفتوحة الى سيادة الكاردينال دلي المحترم

اوقفني تصريحكم المنشور على موقع عنكاوة دوت كوم بتاريخ 16-10-2009 متاملا في ابعاده وتاثيراته الفعلية والمعنوية على مسيحيي العراق فى الخارج. على الرغم من الحذر من صحة النقل الصحفي لتصريحكم، الا ان محتواه يتطابق مع تصريحات سابقة نشرت عن لسان سيادتكم مما دعاني لقبول صدقية الخبر.

وجهتم في تصريحكم هذا دعوة الى الدول الاوروبية لعدم دعم طالبي اللجوء من المسيحيين العراقيون في الغرب والتركيز على المسيحيين الذين فضلو البقاء في العراق، كما اعلنتم ايضا انكم قد تلقيتم حتى الآن ثلاثة تهديدات خطية الا انكم لم تتاثروا بها.

ان من يقرأ هذا التصريح للوهلة الاولى ينبهر بشجاعتكم وصمودكم رغم المخاطر العظيمة التي تواجهونها. كما ان كلامكم هو دعوة للمسيحيين الذين ما يزالون في العراق الى مزيد من الصمود والاستمرار على موقفهم. الى جانب هذا فان كلامكم موجه الى الفاتيكان الذي دائما يتغنى بهذه الأنشودة حرصا منه على إبقاء المسيحية في الشرق الاوسط وانا لست على خلاف مع كل هذه الاهداف.

ولكن يا سيادة الكاردينال انك لست بشخص مسيحي عادي يصارع صعوبات الحياة اليومية لتتخذ من نفسك مثالا يقتدى به. انت رجل في الثمانينات من عمره، وقد وصلت الى مرتبة كنسية لم يستطيع احدا من كنيستنا قبلك ان يصلها، فاذا لا سامح الله أصابك مكروه غدا فانك ستخلد وربما ستكون اول كاردينال يقتل على ارض الرافدين ومن يدري فقد تعلن قديسا من قبل الفاتيكان.

ان الانسان المسيحي العراقي المهجر في شرق الارض وغربها والذي تحاربه بكل مناسبة تتاح لك لا ينتمي الى الطبقة التي تنتمي اليها انت. فهو انسان بسيط يريد العيش بسلام وعندما فشل في تحقيق هذا في بلاده قرر الرحيل. إنه انسان علمته انت من خلال الكنيسة المحبة والتسامح، فهو لا يستطيع ان يقتل او يفجر لذلك اصبح فريسة سهلة في غابة لا قانون يحكمها.

هذا الانسان يريد ان يتعلم ويعمل، يريد ان ينتج ويفيد المجتمع الذي ينتمي اليه. هذا الانسان له عائلة واطفال يريد ان يعلمهم على اسس صحيحة، يريد ان يكون له نظام صحي يعتني به وبعائلته عند الحاجة. يريد ان يعيش انسانيته وحريته بلا خوف او ارهاب.

انا اكن كل الاحترام للمسيحيين العراقيين الذين قرروا البقاء في العراق رغم كل المخاطر والتهديدات التي تواجهم، فهذا قرارهم واختيارهم. ولكن يجب ايضا ان نحترم أولئك الذين رفضوا العيش تحت وطأة هذه الظروف ورفضوا الموت على ايدي المجرمين، فرحلوا الى بلاد آمنة بحثأ عن حياة افضل لهم ولعوائلهم. هل الهجرة شيء جديد علينا ؟ أليس كلنا أصلا مهاجرين بشكل او بآخر، أليست الهجرة أمر طبيعي في تاريخ مسيحيي المشرق. الإختلاف الوحيد هو ان التطور في العصر الحديث سهل الهجرة عبر القارات بدلأ من عبر القرى والحدود.

كان من المؤمل من سياداتكم والكنيسة بصورة عامة ان يكون قلبكم كبير يتسع لكل الرعية مهما كان أختيارها لمواجهة هذا الظرف العصيب والذي يتطلب شجاعة من نوع خاص. هذه الشجاعة لا تكمن فقط في قبول الموت، بل كذلك الشجاعة للتغير مع تحديات الحياة، شجاعة تقبل اختيار الآخر حتى ولو كان مختلفا عن رأي القائد.

من السهل على الفاتيكان ان يدعو من قصوره في روما الى بقاء المسيحيين في العراق، ويشجع الحكومات الغربية على عدم منح حق الجوء لمسيحي العراق، ليجبرهم على العودة بحجة ان مسيحي الشرق هم واسطة للحوار بين الشرق والغرب.

انا ادعوكم يا سيادة الكاردينال ومن خلالكم الفاتيكان لأن تفكروا بهؤلاء المهاجرين كأفراد وعوائل لا كأرقام في سجلات أبرشياتكم. ان وراء كل مهاجر ام واب قلقين عليه، طفل محروم من عطف ابيه لسنوات، وزوجة تذهب للنوم كل ليلة أملا بأن يجلب الغد أخبارا جديدة تجمع عائلتها من جديد. اذهبوا الى المناطق التي يعيش فيها العراقيين المهاجرين في دول الجوار لتروا بأعينكم كيف ان حياتهم هي ابعد ما تكون عن ادنى مستوى يليق بكرامة الانسان، وانتم في قصوركم ومناصبكم تحاربونهم وتعملون على بقائهم في هذة البؤر لتحقيق أهدافكم الخاصة.

سيادة الكاردينال، شكرأ على فساحة صدركم لقراءة هذه الرسالة، انا على يقين بأنها لا تقدم ولا تؤخرعندكم، لكنني أردت كتابتها لنقل ما يدور في قلوب أبنائك الفارين من ظلم الوطن وأهله.




د. عمر سعيد أليشاع

ليدز- انكلترا

ِِِِalishaomar@yahoo.co.uk