ألحكم الذاتي واستباحة أرض عنكاوا
ان التطرق أو الحديث في موضوع توزيع الاراضي من اجل حل أزمة السكن، هو حديث طبيعي وعادي، ولكن عندما يخص اراضي عنكاوا، يتحول الى ملف شائك وساخن و ملغوم ويتحمل الكثير من الجدل والتأويل، حيث اصبحت هذه البلدة العريقة رازحة تحت رحمة قوانين و اجتهادات وتعليمات غريبة، مؤقتة، يتم تفصيلها آنياً، لتنظيم عملية توزيع الاراضي السكنية فيها لحل ازمة السكن المتفاقمة، كأنما خلت جعبة المشرع القانوني من الانظمة والتعليمات التي تنظم بشكل عادل ومنطقي الية التوزيع، وفقا لمبدأ النقاط المعروف للقاصي والداني، والذي لا اتطرق اليه كونه اصبح معطلاً وفي خبر كان، ولا ينسجم مع الخطة الانفجارية الاسكانية في عنكاوا !! والأنكى من ذلك، رفع شعارات أممية وقومية براقة تعلو ولا يُعلى عليها " عنكاوا ليست لأهلها، بل للجميع، و لكل المسيحيين بكل اطيافهم ومكوناتهم، اينما كانوا حيثما كانوا" كونها ارض الميعاد، الارض الذهبية المستباحة للجميع، ومن الغريب انه لا يتم تطبيق هذه الشعارات الاّ في عنكاوا، ولا تشمل هذه الشعارات بمضمونها المناطق والبلدات والقرى المسيحية الاخرى، ومن أنتقد أو ناقش أو جادل أو عارض هذه الشعارات، يكون إما خائناً أو متخاذلاً أو مرتداً عن قضية شعبنا وحقوقه المشروعة، التي يبدو انها لا تؤخذ ولاتُسترد الا باستباحة ارض عنكاوا وتغيير ديموغرافيتها وقطع أوصالها، كما كان يشاع بين اوساط الجيش الايراني العقائدي اثناء الحرب العراقية الايرانية، بان طريق تحريرالقدس واسترداد حقوق اهلها، يجب ان يمر من خلال مدينتي النجف وكربلاء العراقيتين، في حين بقية القرى المسيحية أو ذات الاغلبية المسيحية يبدو انها خارج خارطة المسيحية والمشروع القومي المُرتجى، وهم في هذا الخصوص معفوّن من كل الالتزامات والتضحيات، وعليهم فقط الانتظار وقطف الثمار، وباكورتها تبدأ من عنكاوا. وفي هذا الخصوص ايضاً اصبح اهل عنكاوا امام معضلة اخرى وهي قضية الاخوة الوافدين، الذين تعامل معهم أهل عنكاوا بكل محبة واحترام ومسؤولية، وحسب الامكانيات المتوفرة لديهم، في بلدة تعاني من الغلاء الفاحش. ولكن تم عكس وتشويه هذه الصورة، وأصبح الأمر وكأن عنكاوا وأهلها هما سبب معاناتهم وتشردهم وتهجيرهم!! وعليهما فقط تقع المسؤولية الكبرى في حل مشكلتهم والحد من معاناتهم!! ان مشكلة الاخوة الوافدين الى عنكاوا هي مشكلة انسانية كبيرة، ويجب ان لا يتم استغلالها والمتاجرة بها لاغراض سياسية ومنافسات حزبية، انها مسؤولية الجميع، الجهات المسؤولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية، وان يتم تخصيص وتوجيه الواردات المخصصة لتحسين احوال المسيحيين، لتقديم التسهيلات الممكنة لاسكانهم في قراهم الاصلية إن أمكن ذلك أو رغبوا في ذلك، أو إنشاء او تأجير عمارات سكنية مناسبة لهم في اماكن تواجدهم مقابل أجور رمزية، لأن وجود معظمهم مؤقت لحين تحسن الاحوال الأمنية في مناطقهم التي هُجِّروا منها او نزحوا عنها. وكما هو معروف ان معظم الاخوة الوافدين الى كوردستان يسكنون عنكاوا وينعمون بالسلام والطمأنينة فيها، ولكن من الخطأ التفكير بمنحهم اراض سكنية في عنكاوا التي بدأ عقارها الآيل الى الزوال يضيق باهلها، كيف سيكون الحال مستقبلاً؟ وماذا عن حق الاجيال القادمة من ابناء البلدة، وحق الراغبين بالعودة الى الوطن من اهل عنكاوا المغتربين، بالحصول على فرصة للسكن في بلدتهم وسط هذا الزحام؟ الا يخلق ذلك شعوراً بالغبن والظلم والتمييز، ويؤدي الى خلق مشاكل اجتماعية ؟ وفي السياق ذاته اتساءل، هل منح قطع سكنية في عنكاوا لابناء شعبنا الساكنين والمستقرين منذ مئات السنين في قراهم وبلداتهم العامرة مثل، شقلاوا، ديانا، هاوديان ..الخ بأوامر فوقية، و وفق تبريرات طوباوية مفادها خدمة مستقبل وجودنا التاريخي والحضاري، سيساهم في دعم المشروع القومي؟ الا يؤدي ذلك الى تقليص تواجد شعبنا في هذه الاماكن التاريخية الى حد الافراغ والزوال؟ أليس من الاجدر ان يتم بناء واعمار القرى المهدمة، وتطوير القرى العامرة تاريخياً بأبناء شعبنا، وتوسيع رقعة تواجده فيها، وفقا للقوانين المشروعة، التي تضمن حق حصولهم على قطع سكنية في مسقط رأسهم الكائن في هذه البلدات والقرى العزيزة والعريقة؟ الا يمنح ذلك عمقاً استراتيجياً بشرياً وجغرافياً واقتصادياً لنا ولطموحاتنا المشروعة؟ بدلاً من افراغ هذه القرى من اهلها وحثهم وتشجيعهم لترك مناطقهم والسكن في عنكاوا واراضيها؟ بذلك نكون قد جعلنا من عنكاوا مجمعاً سكنياً غير متجانس واتكالي لابناء شعبنا، قضينا على الامتداد والتوسع البشري والجغرافي والريفي لشعبنا في مناطق تواجده التاريخية، اين الحرص والغيرة على مصلحة شعبنا من كل هذا؟
ومن المضحك المبكي، ان الشعور بالظلم وبالغبن والتمييز والتفرقة بعد التوزيع الاخير للاراضي السكنية في عنكاوا، قد انتقل من عنكاوا بسرعة انفلونزا الخنازير الى اهالي ومجتمعات هذه القرى! بين من حصل على ارض سكنية في عنكاوا وبين من لم يحصل، أو لم يتسنى له ذلك لان ليس هناك من يدعمه !! تأملوا ايها الاخوة أوضاعنا وشؤوننا هذه الايام؟ الا يدعو ذلك الى سخرية الاخرين منا ومن احوالنا؟ هكذا تحولت ارض عنكاوا، ارض الميعاد الذهبية هذا السهل الحضاري العريق، ارض الشهداء التي تحتضن (گرمد سَهْد) ماضياً وحاضراً، ارض العلم والابداع والمحبة والتآخي، الى ارض فتنة وتفرقة وشتات؟ من يتحمل مسؤولية كل ذلك؟ انا ام انت أم الجميع؟ اترك لكم ولضمائركم ايها الاخوة القراء، الحكم والقرار.. واقرأ على عنكاوا السلام.
روند بولص
baythoonrawand@yahoo.com