التنظيمات السياسية الكلدانية الى أين؟
في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الأمة الكلدانية التي نأمل أن تصبح بحق مرحلة النهضة الكلدانية الشاملة ، ينبغي أن لا نغض الطرف خجلاً أو حرجاً عن سلبيات و إخفاقات تنظيماتنا السياسية و القومية المتواجدة على الساحة ، و انما علينا تشخيصها و دراسة اسبابها و مسبباتها بشجاعة و وضوح لكي نتفادى تكرارها في المستقبل و اعتبارها تجارب تستفيد منها التنظيمات الجديدة في مسيرتها.
لقد اثبتت تنظيماتنا الكلدانية المتواجدة في الساحة السياسية العراقية ، و بعد مرور ما يقارب عقداً من الزمن ، عدم تمكنها من استقطاب و كسب ثقة المواطن الكلداني ، ولم تنجح أيضاً في أن تكون ركيزة يعتمد عليها الشعب الكلداني في الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق و لا زال ،و كذلك اخفاقها في اثبات وجودها في الساحة السياسية العراقية كممثل حقيقي لهذا الشعب المغبون.
لو تفحصنا الكيفية التي تأسست بها تنظيماتنا السياسية الكلدانية ، والطريقة التي تعاملت بها مع الأحداث المتعاقبة في العراق ، و كذلك مع واقعه السياسي و الإثني و الطائفي ، ثم مسيرتها منذ تأسيسها و الى اليوم ، لتمكنّا حينئذ من تحديد اسباب فشل هذه التنظيمات في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي تأسست من أجلها ، بالإضافة الى معرفتنا بالأسباب التي كانت وراء الهبوط التدريجي و المستمر لدورها و و فاعليتها على الساحتين السياسية و القومية، الى ان وصلت الى ما هي عليه اليوم من ضعف في العمل و و شلل في التنظيم و حتى فقدانها للاستقلالية في اتخاذ القرارات.
أمّا أسباب فشل التنظيمات السياسية الكلدانية المتواجدة على الساحة السياسية العراقية ، فيمكننا تقسيمها الى مجموعتين من الأسباب ، داخلية و خارجية ، و بدرجات متفاوتة من تنظيم الى آخر.
فالأسباب الداخلية يمكننا تلخيصها بالنقاط المدرجة ادناه:
1- اعتماد التنظيم على رئيس التنظيم وحده في اتخاذ القرارات و الإدارة و الرؤية السياسية المستقبلية للتنظيم ، و بذلك غاب دور المكتب السياسي او اللجنة المركزية في التنظيم و اصبحت تشكيلاتهما مجرد اسماء على ورق.
2- وجود خلل في التنسيق و فقدان التواصل بين اعضاء الوطن و المهجر ، و كذلك بين الرئيس و اعضاء التنظيم .
3- عدم توفر الإندفاع والرغبة الكافيين في التعامل مع السياسة لدى الكثير من اعضاء القيادة وافتقارهم الى الثقافة السياسية الكافية للتأثير من خلالها على الشارع الكلداني و كسب ثقته و رضاه و تأييده.
4- الصراعات الداخلية في التنظيم التي ادت الى حدوث الإنشقاق او الإنسحاب الجماعي منه.
5- مشاكل مالية في ادارة المقرات او في فتح مقرات جديدة.
6- عدم تمكن التنظيمات الكلدانية من بناء قاعدة جماهيرية داعمة لها ، وهذا كان بسبب قصور في اداء التنظيمات اعلامياً و ثقافياً.
7- عجز التنظيمات الكلدانية من إقامة أو تنظيم أو المشاركة (ولو مجتعمة) بنشاطات قومية مختلفة ، كإحتفال أكيتو ( راس السنة الكلدانية) مثلاً ، من اجل إثبات دورها القيادي القومي.
أما الأسباب الخارجية فتتلخص بالنقاط التالية:
1- قصور التنظيمات الكلدانية في بناء علاقات صداقة و تعاون مع الأحزاب و الكتل السياسية العراقية و على اختلاف ايدولوجياتها.
2- مد الفكر الشوفيني الاشوري داخل الوسط الكلداني ، و استخدام الكلدان المتأشورين من قبل الأحزاب الآشورية في الخط الأول للهجوم المنظم الذي شنّ ضد الكلدان ، و الذي بدأ بنكران الوجود القومي الكلداني ، ثم خلق تسميات لاقومية جديدة ، و من ثم اطلاق الدعايات و الإشاعات المفبركة بهدف اسقاط التنظيمات السياسية الكلدانية و رموزها.
3- دور حزب المجلس الشعبي ، صنيعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، و اغراءاته المالية التي ادت الى انحراف التنظيمات الكلدانية عن مسارها و مبادئها و نظامها الداخلي ، و من ثم رضوخها الكامل له لحد السماح بتشويه التسمية القومية الكلدانية مقابل مكاتب مدفوعة الإيجار و نثريات شهرية تدخل جيوب رؤساء هذه التنظيمات.
4- دور الكنيسة الكلدانية المحدود، و غيابه التام في أكثر الأحيان، في دعم و اسناد التنظيمات الكلدانية و الحركة القومية الكلدانية بشكل عام.
هكذا باتت تنظيماتنا السياسية اليوم في وضع يرثى لها ، و فقدت مقومات و أسباب وجودها بعد ان تقلص كل تنظيم ليصبح عبارة عن شخص او عدة اشخاص لا حول لهم ولا قوة عدا نشر بيان او اثنين في الأنترنت و بمناسبات محددة ، و طرق ابواب مقرات الأحزاب الآشورية للجلوس معها و أخذ المشورة منها!. اما مقراتها في بلدات و قصبات شعبنا الكلداني فبدأت تقفل ابوابها الواحدة تلو الأخرى، مواقعها الألكترونية اصبحت شبه مجمدة ، و الطامة الكبرى هي التحول المفاجيء في ولاء زعمائها الى الآيدولوجيات الشمولية و الشوفينية السيئة الصيت و التي تتميز بها كل الأحزاب الآشورية دون استثناء، ومنها تغنيهم بالتسمية الثلاثية اللاقومية بعد توقيعهم علناً على تبنيها و الترويج لها و التي تتناقض تماماً مع ما هو موجود أصلاً في الأنظمة الداخلية للتنظيمات الكلدانية ، وتنصلها علناً عن الأهداف التي تأسست من أجلها.
و ختاماً نأمل ان تقوم تنظيماتنا السياسية الكلدانية بمراجعة شاملة لمسيراتها، و أن تعيد النظر في اسلوب ادارتها لتنظيماتها، و ان تتقبل المشورات و النقد الموجه اليها من قبل ابناء شعبنا الكلداني، و تضع جانباً المصالح الشخصية، و أن تتراجع عن المساومة على مبادئها و أهدافها ، و أن لا تفرط بمصلحة الأمة الكلدانية العليا في المحافظة على تاريخها و اسمها و حقوقها المشروعة في بلدها و بلد أجدادها.
و بذلك قد تتمكن من ان تستعيد ثقة المواطن الكلداني بها، أو على الأقل ان تضع قدمها على الدرب الصحيح الذي يتوافق و المصلحة العليا للإمة الكلدانية و نهضتها المنشودة ، أو أن تنسحب من الساحة حافظة ماء وجهها، فاسحة المجال للناشطين الغيارى من أبناء أمتنا الكلدانية لتحمل المسؤولية.
سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com