السياحة الشتوية في فرنسا:
غرونوبل مدينة فرنسية شتوية وهي مقصد كل هواة التزلج على الثلج إلى جانب اللعب عليه ليس من فرنسا فقط بل ومن أوروبا كلها. وتبلغ أقرب نقطة تزلج مسافة نصف ساعة في السيارة عن وسط المدينة الذي يتميز بصغر حجمه وباكتنازه الأماكن المهمة التي شكلت تاريخ فرنسا الحديث.
لكن هذا ليس كل شيء، فللمدينة تاريخ بعيد وعريق في الآن نفسه، وهي ليست مدينة حديثة نسبياً، بل تعد من أقدم المدن الفرنسية، وكان لها في التاريخ الحديث والقديم محطات كثيرة من المهم تسجيلها لكي لا تضيع سدى في زحمة أرجل السياح على سفوح التزلج الشهيرة في الألب.
والحق أن أول إشارة وردت في المصادر التاريخية عن غرونوبل كانت في العام 43 قبل الميلاد، حين كانت تسمى Cularo ولم تكن سوى قرية أراد الحاكم الروماني في ذلك الوقت تحويلها إلى مدينة شبيهة بفيينا وفالنسيا اللتين كانتا بحكم وجودهما في أماكن إستراتيجية، من أهم المدن لقرون عديدة.
وبفضل موقعها الجغرافي بين سلسلة جبال الألب، فإن غرونوبل عانت عبر التاريخ من عدد من الكوارث الطبيعية تمثل معظمها بفيضانات كبيرة هدمت أجزاء مهمة منها. ولغاية اليوم، فإن غرونوبل من مدن قليلة في العالم، التي تعوم على بركة جوفية من المياه التي تتسرب إلى باطن الأرض في موسم ذوبان الثلوج على قمم الألب المحيطة.
ولهذا فإن وجودها في منطقة نائية عن وقوع الزلازل لم يجنبها الفيضانات التي تحدث في أحيان كثيرة وفي أزمنة مختلفة. ففي العام 1191 تعرضت قرية مجاورة لها إلى انهيار في الجبل الأمر الذي أثر كثيراً عليها وسد منافذ الأراضي السويسرية القريبة، كما أن الانهيار نفسه حبس النهر الذي يمر اليوم من المدينة.
أما في العام 1219 فقد تسببت الفيضانات الشهيرة التي أصابت منطقة الألب في تحطيم السور الذي كان يحيط بالمدينة من كافة جوانبها وعدد كبير من المنازل بداخلها، وقتل إثره العشرات من السكان، وفر العدد الآخر تاركاً المدينة في حالة كارثية بقي صداها يتردد في مختلف الديار الرومانية لوقت طويل.
وفي اليوم الثاني على بدء الفيضان فاضت إحدى البحيرات القريبة منها الأمر الذي تسبب بغرق عدد من القرى المجاورة مثل ساسناج وفونتان الحاليتان.
وفي العام 1562 شهدت المدينة صراعات ومعارك كبيرة بين الكاثوليك والبروتستانت وإثر هذه المعارك التي انتصر فيها الكاثوليك بني جدار ضخم يمتد على طول الجبل، يشبه الى حد ما سور الصين لكن بنسخة ميكروسكوبية منه، كما بني الباستيل وهو قلعة تشرف ومازالت على المدينة من الجهة الشمالية للنهر. وتحتوي اليوم على مطعم متوسط الفخامة يمكن الوصول إليه عبر التليفريك أو عبر الطريق القديمة جداً التي تصعد إلى منتصف الجبل وتمر بعدد من المتاحف والمباني التاريخية الأخرى، التي أهمها مبنى دير سانت ماري الذي أصبح اليوم متحف دوفيني حيث يمكن للزائر المهتم بمعرفة تاريخ المدينة التعرف على مراحل تاريخية مهمة من ماضيها وكذلك التعرف على أساليب الحياة التي كانت سائدة في أكثر من زمن. ومن الباستيل يمكن أخذ الصور الجميلة لكل المدينة والمنطقة المجاورة لها.
كما أنها إلى ذلك مدينة تهتم بالثقافة، وهي على الرغم من صغرها فإنها تحتوي على أكثر من خمس عشرة مكتبة عامة وعلى العديد من الحدائق العامة أشهرها مكتبة الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار .