السياحة و التنوع الحيوي
بنيامين يوخنا دانيال
ان 27 ايلول من كل عام هو ( يوم السياحة العالمي ) World Tourism Day و يقترن بتأسيس و اقرار ميثاق ( منظمة السياحة العالمية ) WTO في عام 1970 اثناء انعقاد مؤتمر الجمعية العمومية في مدينة ( مكسيكو سيتي ) المكسيكية خلال الفترة التي امتدت من 17 الى 28 ايلول من العام المذكور . و ترتبط بمنظمة الامم المتحدة بعد مباشرتها باعمالها عام 1975 باعتبارها منظمة حكومية تشمل نشاطاتها جميع اوجه و مجالات السياحة و السفر في العالم . وقد احتفلت به ( منظمة السياحة العالمية ) WTO عام 2010 في مقاطعة ( قوانغدونغ ) Guangdong في جمهورية الصين الشعبية China تحت شعار ( السياحة و التنوع البيولوجي ) Tourism and Biodiversity و هي مقصد مهم للسياح الاجانب و فيها اكثر مناظر الصين الطبيعية شهرة , فكانت مواضيع الاف من اللوحات الفنية , بالاضافة الى المعالم الحضارية و النصب التاريخية و الثقافية , بحيث تلفت انتباه السياح Tourists بصورة اكيدة . ان الاحتفال بهذا اليوم اصبح تقليدا عالميا بغية تعريف المجتمعات على اختلاف انواعها و انتماءاتها بأهمية السياحة المؤكدة من حيث قيمتها الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية وغيرها من الجوانب . حيث اقامت الصين بهذه المناسبة هذا العام مجموعة من الفعاليات الثقافية و المهرجانات و الاحتفالات الثانوية و الندوات و المحاضرات التي تنظمها الحكومة الصينية بألتنسيق مع ( الادارة الوطنية للسياحة ) و هي اعلى سلطة سياحية مختصة في هذا البلد . وقد اطلقت المنظمة المذكورة مسابقة للصور العالمية بهذه المناسبة و من خلال موقعها على شبكة الانترنيت و صارت تستقبل يوميا العديد من الصور المعبرة عن اوجه السياحة والتنوع البيولوجي من مختلف البلدان . و قبلها احتفلت به لعدة مرات ، و منها في عام 1980 تحت شعار Tourisms' contribution to the preservation of cultural heritage and to peace and mutual understanding ، و في عام 1981 تحت شعار Tourism and the quality of life و في عام 1987 تحت شعار Tourism for development ، و في ( تشيلي ) عام 1999 تحت شعار Tourism : preserving world heritage for the new millennium ، و في المانيا عام 2000 و في ايران عام 2001 و تحت شعار Tourism : a tool for peace and dialogue among civilizations ، و في ( كوستاريكا ) عام 2002 و في الجزائر عام 2003 و في ( ماليزيا ) عام 2004 و في دولة قطر عام 2005 , و في ( البرتغال ) عام 2006 و تحت شعار ( السياحة تثري ) Tourism Enriches تماشيا مع توجيهات الامم المتحدة بخصوص بعض القضايا الحيوية المتعلقة بحقوق الانسان و الصحة و التنمية الاجتماعية و غيرها . ثم في ( سريلانكا ) عام 2007 و تحت شعار ( السياحة تفتح الابواب امام المراة ) Tourism opens doors for women و بالتنسيق مع ( صندوق تطوير المرأة ) التابع للامم المتحدة بغية ابراز دور السياحة في توفير فرص العمل لعموم الناس و للمرأة على وجه الخصوص . و ايضا تحت شعار ( السياحة و التغيرات المناخية ) Tourism Responding to Challenge of Climate Change and global warming عام 2008 . بعدها في ( غانا ) عام 2009 و تحت شعار ( السياحة و التنوع ) Tourism – Celebrating Diversity التي يعرف عنها بأنها من الدول الافريقية النامية التي كان من الضرورة ان يتم توعية المجتمعات المحلية Communities فيها باهمية السياحة . وقد سلط الضوء خلال الاحتفال على الجوانب الانسانية في السياحة و دورها البناء في توطيد الاواصر و العلاقات بين الشعوب و الامم و بناء التفاهم و دعم الاندماج الاجتماعي و تعزيز الوحدة الوطنية داخل البلد الواحد و غيرها من الامور. و يلاحظ احتفال ( منظمة السياحة العالمية ) WTO بهذا اليوم سنويا و تحت شعار معين وبما يتطابق و توجهات منظمة الامم المتحدة نحو بعض المسائل الهامة مثل التنمية المستدامة Sustainable Development و البيئة و التلوث و السلم و ذوي الاحتياجات الخاصة و الثقافة و الاثار و الازمات و الكوارث و الامراض و الاوبئة وادارة المياه و الطاقة و غيرها من المواضيع التي تهم الشعوب . ان احتفال ( منظمة السياحة العالمية ) UNWTO و الحكومات و السلطات و الاجهزة السياحية المختلفة من معظم انحاء العالم بأليوم العالمي للسياحة في 27 ايلول تحت شعار ( السياحة و التنوع البيولوجي ) او ( السياحة و التنوع الحيوي ) Tourism and Biodiversity عام 2010 قد جاء في اطار الاهداف الانمائية للالفية الذي تبناه المجتمع الدولي على نحو جلي و بثبات و قد افضى الى اعلان عام 2010 سنة دولية للتنوع البيولوجي Biodiversity من قبل ( منظمة الامم المتحدة ) . وتشير المصادر العلمية الى : - اولا : يبلغ عدد الانواع الحية التي عرفها الانسان لحد يومنا هذا نحو ( 5 – 10 ) ملايين نوع و هناك ملايين اخرى لم تعرف بعد و هي تشكل بذلك مجموعة كبرى و واسعة من المجذبات الطبيعية بألنسبة للسياحة . ثانيا : ان فقدات التنوع البيولوجي ( الحيوي ) Biodiversity للمحاصيل الزراعية يهدد الامن الغذائي العالمي حسب منظمة الاغذية و الزراعة العائدة للامم المتحدة ( الفاو ) FAO . ثالثا : ان نحو ( 1 ) مليون من الانواع الحية هذه مهددة حتما بألانقراض التام او شبه التام جراء نشاطات الانسان الصناعية و الزراعية و الانشائية و حتى السياحية لانعدام التخطيط المطلوب . و مثال ذلك الانقراض التام لبعض الحيوانات البرية في مصر جراء سياحة صيد الطيور و الحيوانات ( فهد الصحراء , نمر سيناء , الكبش الاروى ) و قيام الكثير من الطيور بهجرة اماكنها الاصلية جراء سياحة مراقبة الطيور . و كذلك في الولايات المتحدة الامريكية بألنسبة ل (دجاج المروج ) و ( الحمامة المهاجرة ) و ( ببغاء كارولينا ). رابعا : ان ( 50 % ) من الادوية المستخدمة حاليا هي من مصادر نباتية و هناك الكثير من النباتات التي هي قيد البحث و الدراسة من اجل استخلاص بعض الادوية و العقاقير الضرورية منها . خامسا : ان ( 1 / 3 ) من البرمائيات مهددة بالانقراض في المستقبل و ( 70 % ) من النباتات و ( 37 % ) من الاسماك النهرية و ( 28 % ) من الزواحف و ( 21 % ) من الثدييات و ( 12 % ) من الطيور .و قد ورد بتقرير للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة عند افتتاح المجلس العالمي للحفاظ على الطبيعة في برشلونة ان ( 200 ) جنس قد اضيف في عام 2007 الى قائمة الاجناس ال ( 16306 ) المهددة بالانقراض من اصل ( 41415 ) تم وضعها تحت الرقابة من بين ( 1.9 ) مليون معروف في العالم . سادسا : ان الانسان يعتمد الى حد بعيد في انتاج الغذاء على الموارد الجينية المستخلصة من النباتات البرية المهددة كل يوم جراء زحف نشاطات الانسان الى اماكن تواجدها . سابعا : ان ( 17000 ) نوع من الكائنات الحية من اصل ( 47000 ) نوع و التي تم دراستها مهددة بالانقراض حسب ( منظمة حماية البيئة العالمية ) . و ان ( 1141 ) نوعا من اصل ( 5487 ) من الثدييات مهددة بالانقراض اي بنسبة ( 21 % ) حسب الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة . و ان ( 188 ) نوعا من الثدييات Mammalia في خطر شديد مثل السنور الايبيري الذي يوجد منه ( 143 ) بالغا فقط . ثامنا : ان ( 90 % ) من الكائنات الحية التي كانت تعيش في المناطق الاستوائية سابقا لم تعد موجودة حسب تصريح ( ادوارد اوزالد ويلسون ) عالم البيئة المعروف , و ان ( 1000 ) نوع من الكائنات الحية تنقرض كل سنة . تاسعا : ان ( 20 % ) من الكائنات الحية على كوكبنا مهددة بالانقراض بسبب الافعال البشرية وان ( 52 ) منها تضاف سنويا الى قائمة الكائنات المهددة بالانقراض . عاشرا : ان الاتجار بالاحياء البرية و مشتقاتها على نحو غير مشروع و الصيد غير المنظم و الجائر للحيوانات من الاسباب القوية التي تؤثر سلبا على حياة العديد من الكائنات الحية في كوكبنا وتدفعها الى الانقراض . و ان عدد الحيوانات الغريبة في الولايات المتحدة الامريكية قد ازداد بنسبة ( 75 % ) منذ عام 1992 و في عام 2005 بلغ عدد الحيوانات الثديية فيها ( 88000 ) بالاضافة الى ( 1300000 ) حيوان زاحف و ( 203 ) ملايين سمكة مستوردة بصورة غير مشروعة . ان الاهتمام الحقيقي بهذا الموضوع قد جاء منذ عام 2002 عندما اجتمع قادة العالم في ( القمة العالمية للتنمية المستدامة ) في ( جوهانسبرغ ) بجنوب افريقيا و عقدوا العزم على المضي قدما في سبيل المحافظة على التنوع البيولوجي و منع و تقليل و الحد من التدهورات و التراجعات الحاصلة فيه بأكثر من اتجاه و على مختلف الاصعدة و قبلها في ( قمة الارض – قمة ريو ) Earth Summit المنعقدة في ( ريودي جانيرو ) بالبرازيل عام 1992 حيث وقعت ( 150 ) دولة على اتفاقية التنوع البيولوجي او الحيوي بهدف المحافظة على هذا التنوع الهام عن طريق الاستخدام المستدام لمكوناته و تقاسم فوائده على نحو عادل و منصف و ايضا في مؤتمر اطراف اتفاقية التنوع البيولوجي المنعقد في ( نيروبي ) بكينيا في ايار عام 2000 و الذي وقعت عليه ( 68 ) دولة من مختلف القارات و قد تضمن الامور الناشئة عن نقل بعض الكائنات الحية التي تم تعديلها وراثيا في المختبرات عبر الحدود الوطنية و استخدامها في شتى المجالات الحياتية و احتمالية انعكاس استخدامها سلبا في حفظ التنوع البيولوجي Biodiversity او تسببها لبعض المخاطر على صحة الانسان نفسه حاضرا او مستقبلا , مع التأكيد على هذا الالتزام في المؤتمر المنعقد عام 2008 . و اثناء الاحتفال بيوم البيئة العالمي في 6 حزيران 2010 و يهدف الى ابراز دور و اهمية السياحة في المحافظة على البيئة الطبيعية و صيانة و حماية و ادامة عناصرها المتنوعة و الاحتفاظ بالتنوع البيولوجي Biodiversity و هو العنصر الهام في المعادلة السياحية - الطبيعية مع نشر الوعي باهمية هذا التنوع في حياتنا بمختلف جوانبها مع ابراز دوره بألنسبة للسياحة على وجه الخصوص بأعتبار ان النظم الايكولوجية السليمة و الغنية بألمفردات و التفاصيل المتنوعة هي الاساس المتين المضمون و المعتمد من قبل الشركات و المؤسسات السياحية و الفندقية في تسويق منتجاتها السياحية و ايصالها الى اكبر عدد ممكن من السواح في مختلف بقاع العالم و تماشيا مع اتجاهاتهم و ميولهم و حاجاتهم المتنامية و المتغيرة على نحو دائم و تطابقا مع اشكال و انماط السياحة لديهم . اما فقدان التنوع البيولوجي او الحيوي الذي يشمل النباتات و الحيوانات و الفطريات و الكائنات الدقيقة فيفضي حتما الى تفاقم الازمات و الكوارث الطبيعية بمختلف انواعها و التي صار يشهدها عالمنا بكثرة ( الجفاف , القحط , الفيضانات , الانجرافات , الانهيارات , الاعاصير ) بحيث اصبح من الصعب تداركها و معالجتها و السيطرة عليها من جهة , و يقلل من المنتجات التي تمنحنا اياها الطبيعة الام و يسيء الى نوعيتها من جهة ثانية. ناهيك عن الاضرار الجسيمة بالناحية الجمالية التي تمس صميم النشاطات السياحية . و من اوجه فقدان التنوع البيولوجي او الحيوي Biodiversity : تغيير استخدامات الاراضي البرية الى زراعية و غيرها من الاستخدامات البعيدة كل البعد عن طبيعتها الاصلية و نقل الحيوانات و النباتات و الكائنات الدقيقة الى خارج موطنها الاصلي لاكثر من غرض و الاستخدام المفرط للمبيدات و الاكثار من مسببات التلوث بأنواعه و التمادي في الانشطة البشرية دون تخطيط مسبق و على حساب الطبيعة و بالتضارب و التناقض مع مواردها و مقوماتها . و من الامثلة الكثيرة التي يمكن ان نسوقها هنا حالات التلف و الفقدان التي اصابت نحو ( 400 ) نوع مختلف من المرجان coral المكون للحاجز المرجاني الكبير Great Barrier Reef قبالة سواحل ولاية كوينزلاند في استراليا Australia و الممتد على مسافة ( 2000 ) كلم و بمساحة تساوي نصف مساحة ولاية ( تكساس ) الامريكية ( 346.2025 كلم2 ) و المدرج في قائمة التراث العالمي عام 1981 . و من مكوناته جزيرة ( هيرن ) و جزيرة ( ليدي ايلين ) المرجانية . و حالات الاخلال و الخرق التي اصابت الطبيعة المحيطة بالجبل الاصفر ( هوانغ شان ) في ( انهوي ) بشرق الصين , و الغنية بالقمم الجميلة الرائعة التي كانت موضوع الاف القصائد الشعرية و الرسومات لمئات السنوات مثل ( غونغ مينغ دينغ ) اي القمة البراقة و ( ليانهوافنغ ) اي قمة زهرة اللوتس و ( تيان دوفنغ ) اي القمة السماوية الكبرى , و التي يزيد ارتفاعها جميعا عن ( 1800 ) م و الغارقة في السحب القطنية بالاضافة الى عشرات الينابيع الحارة و الباردة , مثل ينبوع المياه الساخنة بين قمة ( تاو هوا فنغ ) و قمة ( زي يو فنغ ) , و المناظر الطبيعية الخلابة التي تجذب السواح خصوصا خلال الفترة الممتدة بين وسط تموز و نهاية ايلول . و ايضا تراجع التنوع الحيوي او البيولوجي الحاصل في منطقة امريكا اللاتينية و البحر الكاريبي جراء التضرر الواضح للمواطن الطبيعية فيها و على نحو واسع مهددة بذلك الفصائل الحيوانية و النباتية و تمثل ( 40 % ) من الانواع الموجودة على سطح الارض فهدد ( 1244 ) نوعا من الفقاريات بألانقراض حسب برنامج الامم المتحدة للبيئة عام 1999 , بألاضافة الى ( 1130 ) نوعا اي ( 24 % ) و ( 1183 ) من الطيور اي ( 12 % ) على مستوى العالم حسب برنامجها لعام 2002 . و قد جاءت ( الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالحياة البرية من حيوان و نبات ) ( السايتس ) الموقعة في واشنطن بالولايات المتحدة الامريكية عام 1975 من قبل ( 179) دولة لتخدم هذا الاتجاه و احتوت على ثلاثة ملاحق طويلة . تضمن الاول منها ( 530 ) نوعا حيوانيا و ( 300 ) نوع نباتي مهددة بلانقراض و تضمن الثاني ( 4400 ) نوع حيواني و اكثر من ( 28000 ) نوع نباتي غير مهدد بالانقراض و تضمن الثالث ( 160 ) نوعا حيوانيا و عشرة انواع نباتية بأمكان الدول ان تطلب العون لحمايتها . و من هنا يبرز دور السياحة المهم و الفعال في الاهتمام بالبيئة الطبيعية و التنوع البيولوجي او الحيوي Biodiversity و تنمية الوعي البيئي في ظل اتجاهات حديثة مثل ( الرحلات صديقة البيئة ) و ( السياحة الايكولوجية ) Ecotourism و ( شاهد و تمتع و لا تخرب ) و ( السياحة الناعمة ) و ( الفندق الايكولوجي ) و ( المنشآت السياحية البيئية ) و ( السياحة الطبيعية ) و ( السياحة البديلة ) Alternative Tourism و ( شواطىء الراية الزرقاء ) و ( السياحة الخضراء ) Green Tourism و ( السياحة المستدامة ) Sustainable Tourism و ( الكوكب الاخضر ) Green Planet و السياحة الايكولوجية Ecotourism و السائح الايكولوجي Eco – tourist و المسافر الايكولوجي Eco – traveler مع ايجاد بعض انواع القيم المتصلة بالبيئة الطبيعية و المنظومة الايكولوجية التي تخدم التراث الطبيعي الذي يخص البشرية كلها . وما اختيار هذا الشعار للاحتفال الاخير بالسياحة في عام 2010 الا للتأكيد على هذا الدور المتنامي للسياحة Tourism في هذا المضمار . * عن ( السياحة و البيئة : مقالات ) للكاتب ، اربيل – العراق 2011 . المصادر و المراجع : ص ص 117 - 135